وقرأ الحسن ومن تأول تأويله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ على هذا المعنى، وهي قراءة السبعة سوى الكسائي: وقراءة جمهور الناس، وقال من خالف الحسن بن أبي الحسن: المعنى: ليس من أهلك الذين عمهم الوعد لأنه ليس على دينك وإن كان ابنك بالولاء. فمن قرأ من هذه الفرقة إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ جعله وصفا له بالمصدر على جهة المبالغة، فوصفه بذلك كما قالت الخنساء تصف ناقة ذهب عنها ولدها:
[البسيط]
ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
أي ذات إقبال وإدبار. وقرأ بعض هذه الفرقة «إنه عمل غير صالح» وهي قراءة الكسائي، وروت هذه القراءة أم سلمة وعائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره أبو حاتم، وضعف الطبري هذه القراءة وطعن في الحديث بأنه من طريق شهر بن حوشب، وهي قراءة علي وابن عباس وعائشة وأنس بن مالك، ورجحها أبو حاتم وقرأ بعضها:«إنه عمل عملا غير صالح» . وقالت فرقة: الضمير في قوله: «إنه عمل غير صالح» على قراءة جمهور السبعة على سؤال الذي يتضمنه الكلام وقد فسره آخر الآية ويقوي هذا التأويل أن في مصحف ابن مسعود «إنه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم» . وقالت فرقة:
الضمير عائد على ركوب ولد نوح معهم الذي يتضمنه سؤال نوح، المعنى: أن ركوب الكافر مع المؤمنين عمل غير صالح، وقال أبو علي: ويحتمل أن يكون التقدير أن كونك مع الكافرين وتركك الركوب معنا عمل غير صالح.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل لا يتجه من جهة المعنى، وكل هذه الفرق قال: إن القول بأن الولد كان لغية وولد فراش خطأ محض وقالوا: إنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه ما زنت امرأة نبي قط» .
قال القاضي أبو محمد: وهذا الحديث ليس بالمعروف، وإنما هو من كلام ابن عباس رضي الله عنه ويعضده شرف النبوة. وقالوا في قوله عز وجل: فَخانَتاهُما إن الواحدة كانت تقول للناس: هو مجنون والأخرى كانت تنبه على الأضياف، وأما غير هذا فلا، وهذه منازع ابن عباس وحججه وهو قوله وقول الجمهور من الناس.
وقرأ ابن أبي مليكة:«فلا تسلني» بتخفيف النون وإثبات الياء وسكون اللام دون همز. وقرأت فرقة بتخفيف النون وإسقاط الياء وبالهمز «فلا تسألن» ، وقرأ أبو جعفر وشيبة بكسر النون وشدها والهمز وإثبات الياء «فلا تسألنّي» ، وقرأ نافع ذلك دون ياء «فلا تسألن» وقرأ ابن كثير وابن عامر «فلا تسألنّ» بفتح النون المشددة، وهي قراءة ابن عباس، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي «فلا تسلن» خفيفة النون ساكنة اللام، وكان أبو عمرو يثبت الياء في الوصل، وحذفها عاصم وحمزة في الوصل والوقف. ومعنى قوله:
فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي إذ وعدتك فاعلم يقينا أنه لا خلف في الوعد فإذ رأيت ولدك لم يحمل فكان الواجب عليك أن تقف وتعلم أن ذلك هو بحق واجب واجب عند الله.
قال القاضي أبو محمد: ولكن نوحا عليه السّلام حملته شفقة النبوة وسجية البشر على التعرض