للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليروا أن توبتهم ترجع بهم إلى عفو الله كما رجعت بمن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب، وهذا كله على أن هم يوسف بلغ فيما روت هذه الفرقة إلى أن جلس بين رجلي زليخا وأخذ في حل ثيابه وتكته ونحو هذا، وهي قد استقلت له قاله ابن عباس وجماعة من السلف.

وقالت فرقة في «همه» إنما كان بخطرات القلب التي لا يقدر البشر عن التحفظ منها، ونزع عند ذلك ولم يتجاوزه، فلا يبعد هذا على مثله عليه السلام، وفي الحديث: «إن من هم بسيئة ولم يعملها فله عشر حسنات» ، وفي حديث آخر «حسنة» ، فقد يدخل يوسف في هذا الصنف.

وقالت فرقة: كان «هم» يوسف بضربها ونحو ذلك.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف البتة، والذي أقول في هذه الآية: إن كون يوسف نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح ولا تظاهرت به رواية، وإذا كان ذلك فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته، وأن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو الخاطر، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكة ونحو ذلك، لأن العصمة مع النبوة، وما روي من أنه قيل له: تكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء، فإنما معناه العدة بالنبوة فيما بعد، والهم بالشيء مرتبتان: فالواحدة الأولى تجوز عليه مع النبوة، والثانية الكبرى لا تقع إلا من غير نبي، لأن استصحاب خاطر المعصية والتلذذ به معصية تكتب، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفوسها ما لم تنطق به أو تعمل» . معناه من الخواطر، وأما استصحاب الخاطر فمحال أن يكون مباحا، فإن وقع فهو خطيئة من الخطايا لكنه ليس كمواقعة المعصية التي فيها الخاطر، ومما يؤيد أن استصحاب الخاطر معصية قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنه كان حريصا على قتل صاحبه.

وقوله الله تعالى: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: ١٢] وهذا منتزع من غير موضع من الشرع، والإجماع منعقد أن الهم بالمعصية واستصحاب التلذذ بها غير جائز ولا داخل في التجاوز.

واختلف في «البرهان» الذي رأى يوسف، وقيل: نودي. واختلف فيما نودي به، فقيل ناداه جبريل:

يا يوسف، تكون في ديوان الأنبياء. وتفعل فعل السفهاء؟ وقيل: نودي: يا يوسف، لا تواقع المعصية فتكون كالطائر الذي عصى فتساقط ريشه فبقي ملقى- ناداه بذلك يعقوب-، وقيل غير هذا مما في معناه.

وقيل: كان «البرهان» كتابا رآه مكتوبا، فقيل: في جدار المجلس الذي كان فيه، وقيل: بين عيني زليخا، وقيل: في كف من الأرض خرجت دون جسد واختلف في المكتوب، فقيل: قوله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد: ٣٣] ، وقيل: قوله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد: ٣٣] ، وقيل: قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا [الإسراء: ٣٢] وقيل غير هذا. وقيل: كان البرهان أن رأى يعقوب عليه السلام ممثلا معه في البيت عاضا على إبهامه وقيل: على شفته. وقيل بل انفرج السقف فرآه كذلك. وقيل: إن جبريل قال له: لئن واقعت المعصية لأمحونك من ديوان النبوة، وقيل: إن جبريل ركضه فخرجت شهوته على أنامله.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وقيل: بل كان «البرهان» فكرته في عذاب الله ووعيده على

<<  <  ج: ص:  >  >>