للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان مما لا علم للحاضرين به، ثم ألصقوه ببنيامين، إذ كان شقيقه، ويحتمل قولهم: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ تأويلين.

أحدهما: أنهم حققوا السرقة في جانب بنيامين ويوسف عليهما السلام، بحسب ظاهر الحكم، فكأنهم قالوا: إن كان قد سرق فغير بدع من ابني راحيل، لأن أخاه يوسف كان قد سرق. فهذا من الإخوة إنحاء على ابني راحيل: يوسف وبنيامين.

والوجه الآخر الذي يحتمله لفظهم يتضمن أن السرقة في جانب يوسف وبنيامين- مظنونة- كأنهم قالوا: إن كان هذا الذي رمي به بنيامين حقا في نفسه فالذي رمي به يوسف قبل حق إذا، وكأن قصة يوسف والظن به قوي عندهم بما ظهر في جهة وبنيامين.

وقال بعض المفسرين: التقدير: فقد قيل عن يوسف إنه سرق، ونحو هذا من الأقوال التي لا ينطبق معناها على لفظ الآية.

وهذه الأقوال منهم عليهم السلام إنما كانت بحسب الظاهر وموجب الحكم في النازلتين، فلم يقعوا في غيبة ليوسف، وإنما قصدوا الإخبار بأمر جرى ليزول بعض المعرة عنهم، ويختص بها هذان الشقيقان.

وأما ما روي في سرقة يوسف فثلاثة وجوه: الجمهور منها على أن عمته كانت ربته، فلما شب أراد يعقوب أخذه منها، فولعت به وأشفقت من فراقه، فأخذت منطقة إسحاق- وكانت متوارثة عندهم- فنطقته بها من تحت ثيابه، ثم صاحت وقالت: إني قد فقدت المنطقة ويوسف قد خرج بها، ففتشت فوجدت عنده، فاسترقّته- حسبما كان في شرعه- وبقي عندها حتى ماتت فصار عند أبيه.

وقال ابن إدريس عن أبيه: إنما أكل بنو يعقوب طعاما فأخذ يوسف عرقا فخبأه فرموه لذلك بالسرقة، وقال سعيد بن جبير وقتادة: إنما أمرته أمه أن يسرق صنما لأبيها، فسرقه وكسره، وكان ذلك- منها ومنه- تغييرا للمنكر، فرموه لذلك بالسرقة، وفي كتاب الزجاج: أنه كان صنم ذهب.

والضمير في قوله: فَأَسَرَّها عائد يراد به الحزة التي حدثت في نفس يعقوب من قولهم، والكلام يتضمنها، وهذا كما تضمن الكلام الضمير الذي في قول حاتم:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

وهذا كقوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: ١١٠] فهي مراد بها الحالة المتحصلة من هذه الأفعال.

وقال قوم: أسر المجازاة، وقال قوم: أسر الحجة، وما قدمناه أليق. وقرأ ابن أبي عبلة: «فأسره يوسف» بضمير تذكير.

وقوله: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً الآية، الظاهر منه أنه قالها إفصاحا فكأنه أسر لهم كراهية مقالتهم ثم تجهمهم بقوله: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً أي لسوء أفعالكم، والله يعلم إن كان ما وصفتموه حقا، وفي اللفظ إشارة إلى تكذيبهم، ومما يقوي هذا عندي أنهم تركوا الشفاعة بأنفسهم وعدلوا إلى الشفاعة بالشيخ صلى

<<  <  ج: ص:  >  >>