أراد لا يبرح ولا يبقى، وقال الزجاجي: وقد تحذف أيضا ما في هذا الموضع.
قال القاضي أبو محمد: وخطأه بعض النحويين، ومن المواضع التي حذفت فيها لا ويدل عليها الكلام قول الشاعر: [الطويل]
فلا وأبي دهماء زالت عزيزة ... على قومها ما قبل الزّند قادح
وقوله ما قبل الزند قادح يوجب أن المحذوف «لا» ، وليست «ما» ، وفتىء بمنزلة زال وبرح في المعنى والعمل، تقول: والله لا فتئت قاعدا كما تقول: لا زلت ولا برحت، ومنه قول أوس بن حجر: [الطويل]
فما فتئت حتى كأن غبارها ... سرادق يوم ذي رياح يرفّع
و «الحرض» : الذي قد نهكه الهرم أو الحب أو الحزن إلى حال فساد الأعضاء والبدن والحس، وعلى هذا المعنى قراءة الجمهور «حرضا» بفتح الراء والحاء ... وقرأ الحسن بن أبي الحسن بضمهما، وقرأت فرقة «حرضا» بضم الحاء وسكون الراء. وهذا كله المصدر يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والجمع بلفظ واحد، كعدل وعدو، وقيل في قراءة الحسن: انه يراد: فتات الأشنان أي باليا متعتتا، ويقال من هذا المعنى الذي هو شن الهم والهرم: رجل حارض، ويثنى هذا البناء ويجمع ويؤنث ويذكر، ومن هذا المعنى قول الشاعر: [البسيط]
إني امرؤ لجّ بي حبّ فأحرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم
وقد سمع من العرب: رجل محرض، قال الشاعر- وهو امرؤ القيس: [الطويل]
أرى المرء ذا الأذواد يصبح محرضا ... كأحراض بكر في الديار مريض
و «الحرض» - بالجملة- الذي فسد ودنا موته، قال مجاهد: «الحرض» : ما دون الموت، قال قتادة:
«الحرض» : البالي الهرم، وقال نحوه الضحاك والحسن، وقال ابن إسحاق: حَرَضاً معناه فاسد لا عقل له فكأنهم قالوا على جهة التعنيف له: أنت لا تزال تذكر يوسف إلى حال القرب من الهلاك أو إلى الهلاك.
فأجابهم يعقوب عليه السلام رادّا عليهم: أي أني لست ممن يجزع ويضجر فيستحق التعنيف، وإنما أشكو إلى الله، ولا تعنيف في ذلك. و «البث» ما في صدر الإنسان مما هو معتزم أن يبثه وينشره، وأكثر ما يستعمل «البث» في المكروه، وقال أبو عبيدة وغيره: «البث» : أشد الحزن، وقد يستعمل «البث» في المخفي على الجملة ومنه قول المرأة في حديث أم زرع: ولا يولج الكف ليعلم «البث» ، ومنه قولهم: أبثك حديثي.
وقرأ عيسى: «وحزني» بفتح الحاء والزاي.
وحكى الطبري بسند: أن يعقوب دخل على فرعون وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له فرعون: ما بلغ بك هذا يا إبراهيم؟ فقالوا: إنه يعقوب، فقال: ما بلغ بك هذا يا يعقوب؟ قال له: طول الزمان وكثرة الأحزان، فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب خطيئة فاغفرها لي، وأسند الطبري إلى الحسن قال: كان بين خروج يوسف عن يعقوب إلى دخول يعقوب على يوسف ثمانون