للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوَكَّلْتُ

و «المتاب» : المرجع كالمآب، لأن التوبة الرجوع.

ويحتمل قوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً الآية، أن يكون متعلقا بقوله: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ فيكون معنى الآية الإخبار عنهم أنهم لا يؤمنون ولو نزل «قرآن تسير به الجبال وتقطع به الأرض» - هذا تأويل الفراء وفرقة من المتألين- وقالت فرقة: بل جواب لَوْ محذوف، تقديره: ولو أن قرآنا يكون صفته كذا لما آمنوا بوجه، وقال أهل هذا التأويل- ابن عباس ومجاهد وغيرهما- إن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أزح عنا وسير جبلي مكة فقد ضيقا علينا، واجعل لنا أرضنا قطع غراسة وحرث، وأحي لنا آباءنا وأجدادنا وفلانا وفلانا- فنزلت الآية في ذلك معلمة أنهم لا يؤمنون ولو كان ذلك كله، وقالت فرقة: جواب لَوْ محذوف، ولكن ليس في هذا المعنى، بل تقديره: لكان هذا القرآن الذي يصنع هذا به، وتتضمن الآية- على هذا- تعظيم القرآن، وهذا قول حسن يحرز فصاحة الآية.

وقوله: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً يعضد التأويل الأخير ويترتب مع الآخرين.

وقوله: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا الآية، يَيْأَسِ معناه: يعلم، وهي لغة هوازن- قاله القاسم بن معن- وقال ابن الكلبي: هي لغة هبيل حي من النخع، ومنه قول سحيم بن وثيل الرياحي:

[الطويل]

أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ... ألم تيئسوا أني ابن فارس زهدم

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه، وذلك أنه لما أبعد إيمانهم في قوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً الآية- على التأويلين في المحذوف المقدر- قال في هذه الآية: أفلم ييئس المؤمنون من إيمان هؤلاء الكفرة، علما منهم أَنْ لَوْ يَشاءُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً.

وقرأ ابن كثير وابن محيصن «يأيس» وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وابن أبي مليكة وعكرمة والجحدري وعلي بن حسين وزيد بن علي وجعفر بن محمد «أفلم يتبين» .

ثم أخبر تعالى عن كفار قريش والعرب أنهم لا يزالون تصيبهم قوارع من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته.

وفي قراءة ابن مسعود ومجاهد: «ولا يزال الذين ظلموا» ثم قال: أَوْ تَحُلُّ أنت يا محمد قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ هذا تأويل فرقة منهم الطبري وعزاه إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة- وقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى أَوْ تَحُلُّ القارعة قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ.

وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير: «أو يحل» بالياء «قريبا من ديارهم» بالجمع.

و «وعد الله» - على قول ابن عباس وقوم- فتح مكة، وقال الحسن بن أبي الحسن: الآية عامة في الكفار إلى يوم القيامة، وأن حال الكفرة هكذا هي أبدا. و «وعد الله» : قيام الساعة، و «القارعة» : الرزية التي تقرع قلب صاحبها بفظاعتها كالقتل والأسر ونهب المال وكشف الحريم ونحوه.

وقوله: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ الآية، هذه آية تأنيس للنبي عليه السلام، أي لا يضيق صدرك يا محمد

<<  <  ج: ص:  >  >>