والضمير في قوله: يَرَوْا عائد على كفار قريش وهم المتقدم ضميرهم في قوله: نَعِدُهُمْ.
وقوله: نَأْتِي معناه بالقدرة والأمر، كما قال الله تعالى: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ [النحل: ٢٦] والْأَرْضَ يريد به اسم الجنس، وقيل: يريد أرض الكفار المذكورين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بحسب الاختلاف في قوله: نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها.
وقرأ الجمهور: «ننقصها» وقرأ الضحاك «ننقصها» .
وقوله: مِنْ أَطْرافِها من قال: إنها أرض الكفار المذكورين- قال: معناه: ألم يروا أنا نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك فننقصها بما يدخل في دينك من القبائل، والبلاد المجاورة لهم، فما يؤمنهم أن نمكنك منهم أيضا، كما فعلنا بمجاوريهم- قاله ابن عباس والضحاك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بحسب الاختلاف في قوله: نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها القول لا يتأتى إلا بأن نقدر نزول هذه الآية بالمدينة، ومن قال: إن الْأَرْضَ اسم جنس جعل الانتقاص من الأطراف بتخريب العمران الذي يحله الله بالكفرة- هذا قول ابن عباس أيضا ومجاهد.
وقالت فرقة: الانتقاص هو بموت البشر وهلاك الثمرات ونقص البركة، قاله ابن عباس أيضا والشعبي وعكرمة وقتادة. وقالت فرقة: الانتقاص هو بموت العلماء والأخيار- قال ذلك ابن عباس أيضا ومجاهد- وكل ما ذكر يدخل في لفظ الآية.
و «الطرف» من كل شيء خياره، ومنه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلوم أودية في أي واد أخذت منها حسرت فخذوا من كل شيء طرفا. يعني خيارا.
وجملة معنى هذه الآية: الموعظة وضرب المثل، أي ألم يروا فيقع منهم اتعاظ. وأليق ما يقصد لفظ الآية هو تنقص الأرض بالفتوح على محمد.
وقوله: لا مُعَقِّبَ أي لا راد ولا مناقض يتعقب أحكامه، أي ينظر في أعقابها أمصيبة هي أم لا؟
وسرعة حساب الله واجبة لأنها بالإحاطة ليست بعدد.
والْمَكْرُ: ما يتمرس بالإنسان ويسعى عليه- علم بذلك أو لم يعلم- فوصف الله تعالى الأمم التي سعت على أنبيائها- كما فعلت قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم- ب الْمَكْرُ.
وقوله: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً أي العقوبات التي أحلها بهم. وسماها «مكرا» على عرف تسمية المعاقبة باسم الذنب، كقوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١٥] ونحو هذا.
وفي قوله تعالى: يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ تنبيه وتحذير في طي إخبار ثم توعدهم تعالى بقوله:
«وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار» .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «الكافر» بالإفراد، وهو اسم الجنس، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «الكفار» ، وقرأ عبد الله بن مسعود «الكافرون» ، وقرأ أبي بن كعب: «الذين كفروا» . وتقدم القول في عُقْبَى الدَّارِ قبل هذا.