بعث موسى أشياعا متفرقين في الدين: قوم مع القبط في عبادة فرعون، وكلهم على غير شيء، وهذا مذهب الطبري- وحكاه عن ابن عباس- وإن صح أنهم كانوا على دين إبراهيم وإسرائيل ونحو هذا ف الظُّلُماتِ الذل والعبودية، والنُّورِ العزة والدين والظهور بأمر الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر هذه الآية وأكثر الآيات في رسالة موسى عليه السلام أنها إنما كانت إلى بني إسرائيل خاصة، في معنى الشرع لهم وأمرهم ونهيهم بفروع الديانة، وإلى فرعون وأشراف قومه في أن ينظروا ويعتبروا في آيات موسى فيقروا بالله ويؤمنوا به تعالى وبموسى ومعجزته ويتحققوا نبوته ويرسلوا معه بني إسرائيل.
قال القاضي أبو محمد: ولا يترتب هذا إلا بإيمان به. وأما أن تكون رسالته إليهم لمعنى اتباعه والدخول في شرعه فليس هذا بظاهر القصة ولا كشف الغيب ذلك، ألا ترى أن موسى خرج عنهم ببني إسرائيل؟ فلو لم يتبع لمضى بأمته، وألا ترى أنه لم يدع القبط بجملتهم وإنما كان يحاور أولي الأمر؟ وأيضا فليس دعاؤه لهم على حد دعاء نوح وهود وصالح أممهم في معنى كفرهم ومعاصيهم، بل في الاهتداء والتزكي وإرسال بني إسرائيل. ومما يؤيد هذا أنه لو كانت دعوته لفرعون والقبط على حدود دعوته لبني إسرائيل فلم كان يطلب بأمر الله أن يرسل معه بني إسرائيل؟ بل كان يطلب أن يؤمن الجميع ويتشرعوا بشرعه ويستقر الأمر. وأيضا فلو كان مبعوثا إلى القبط لرده الله إليهم حين غرق فرعون وجنوده، ولكن لم يكونوا أمة له فلم يرد إليهم.
قال القاضي أبو محمد: واحتج من ذهب إلى أن موسى بعث إلى جميعهم بقوله تعالى في غير آية إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ [الأعراف: ١٠٣] ، وإِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ [النمل: ١٢] والله أعلم.
وقوله: وَذَكِّرْهُمْ الآية. أمر الله عز وجل موسى أن يعظ قومه بالتهديد بنقم الله التي أحلها بالأمم الكافرة قبلهم وبالتعديد لنعمه عليهم في المواطن المتقدمة، وعلى غيرهم من أهل طاعته ليكون جريهم على منهاج الذين أنعم عليهم وهربهم من طريق الذين حلت بهم النقمات، وعبر عن النعم والنقم ب «الأيام» إذ هي في أيام، وفي هذه العبارة تعظيم هذه الكوائن المذكر بها، ومن هذا المعنى قولهم: يوم عصيب، ويوم عبوس، ويوم بسام، وإنما الحقيقة وصف ما وقع فيه من شدة أو سرور. وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: أيام الله: نعمه: وعن فرقة أنها قالت: أيام الله: نقمه.
قال القاضي أبو محمد: ولفظة «الأيام» تعم المعنيين، لأن التذكير يقع بالوجهين جميعا.
وقوله: لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ إنما أراد لكل مؤمن ناظر لنفسه، فأخذ من صفات المؤمن صفتين تجمع أكثر الخصال وتعم أجمل الأفعال.