وقوله: وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ هو على حذف مضاف تقديره: وعند الله عقاب مكرهم أو جزاء مكرهم، ويحتمل قوله تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ أن يكون خطابا لمحمد عليه السلام، والضمير لمعاصريه، ويحتمل أن يكون مما يقال للظلمة يوم القيامة والضمير للذين سكن في منازلهم.
وقرأ السبعة سوى الكسائي: «وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال» بكسر اللام من لِتَزُولَ وفتح الأخيرة، وهي قراءة علي بن أبي طالب وجماعة سكنوا وهذا على أن تكون «إن» نافية بمعنى ما، ومعنى الآية: تحقير مكرهم وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله بها التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها، هذا تأويل الحسن وجماعة من المفسرين، وتحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى تعظيم مكرهم، أي وإن كان شديدا إنما يفعل لتذهب به عظام الأمور.
وقرأ الكسائي: «وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال» بفتح اللام الأولى من لِتَزُولَ وضم الأخيرة، وهي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن وثاب، وهذا على أن تكون «إن» مخففة من الثقيلة، ومعنى الآية تعظيم مكرهم وشدته، أي أنه مما يشقى به ويزيل الجبال عن مستقراتها لقوته، ولكن الله تعالى أبطله ونصر أولياءه، وهذا أشد في العبرة.
وقرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وعمر بن الخطاب وأبي بن كعب «وإن كاد مكرهم» ، ويترتب مع هذه القراءة في لِتَزُولَ ما تقدم. وذكر أبو حاتم أن في قراءة أبي بن كعب «ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال» . وحكى الطبري عن بعض المفسرين أنهم جعلوا هذه الآية إشارة إلى ما فعل نمرود إذ علق التابوت من الأنسر، ورفع لها اللحم في أطراف الرماح بعد أن أجاعها ودخل هو وحاجبه في التابوت، فعلت بهما الأنسر حتى قال له نمرود: ماذا ترى؟ قال: أرى بحرا وجزيرة- يريد الدنيا المعمورة- ثم قال:
ماذا ترى؟ قال: أرى غماما ولا أرى جبلا، فكأن الجبال زالت عن نظر العين بهذا المكر، وذكر ذلك عن علي بن أبي طالب. وذلك عندي لا يصح عن علي رضي الله عنه، وفي هذه القصة كلها ضعف من طريق المعنى، وذلك أنه غير ممكن أن تصعد الأنسر كما وصف، وبعيد أن يغرر أحد بنفسه في مثل هذا.
وقوله: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ الآية، تثبيت للنبي عليه السلام ولغيره من أمته، ولم يكن النبي عليه السلام ممن يحسب مثل هذا، ولكن خرجت العبارة هكذا، والمراد بما فيها من الزجر من شارك النبي عليه السلام في أن قصد تثبيته.
وقرأ جمهور الناس «مخلف وعده» بالإضافة، «رسله» بالنصب، وإضافة «مخلف» إلى الوعد، إذ للإخلاف تعلق بالوعد على تجوز، وإنما حقيقة تعلقه بالرسل، وهذا نحو قول الشاعر: [الطويل]
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه ... وسائره باد إلى الشمس أجمع
وكقولك: هذا معطي درهم زيدا. وقرأت فرقة: «مخلف وعده رسله» بنصب الوعد وخفض الرسل، على الإضافة، وهذه القراءة ذكرها الزجاج وضعفها، وهي تحول بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، وهي كقول الشاعر: [مجزوء الكامل]
فزججتها بمزجّة ... زج القلوص أبي مزادة