قال ابن عباس وغيره من المفسرين: الإشارة ب الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إلى نمرود الذي بنى صرحا ليصعد فيه إلى السماء على زعمه، فلما أفرط في علوه وطوله في السماء فرسخين على ما حكى النقاش، بعث الله عليه رمحا فهدمته، «وخر سقفه» عليه وعلى أتباعه، وقيل: جبريل هدمه بجناحه وألقى أعلاه في البحر وانحقف من أسلفه، وقالت فرقة أخرى: المراد ب الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جميع من كفر من الأمم المتقدمة ومكر ونزلت فيه عقوبة من الله تعالى، وقوله على هذا فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ إلى آخر الآية، تمثيل وتشبيه، أي حالهم بحال من فعل به هذا، وقالت فرقة: المراد بقوله فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ أي جاءهم العذاب من قبل السماء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ينحو إلى اللعن، ومعنى قوله مِنْ فَوْقِهِمْ رفع الاحتمال في قوله فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ فإنك تقول انهدم على فلان بناؤه وهو ليس تحته، كما تقول: انفسد عليه متاعه، وقوله مِنْ فَوْقِهِمْ ألزم أنهم كانوا تحته. وقوله فَأَتَى أي أتى أمر الله وسلطانه، وقرأ الجمهور «بنيانهم» ، وقرأت فرقة «بنيتهم» ، وقرأ جعفر بن محمد «بيتهم» ، وقرأ الضحاك «بيوتهم» ، وقرأ الجمهور «السقف» بسكون القاف، وقرأت فرقة بضم القاف وهي لغة فيه، وقرأ الأعرج «السّقف» بضم السين والقاف، وقرأ مجاهد «السّقف» بضم السين وسكون القاف، وقوله ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ الآية، ذكر الله تعالى في هذه الآية المتقدمة حال هؤلاء الماكرين في الدنيا، ثم ذكر في هذه حالهم في الآخرة وقوله يُخْزِيهِمْ لفظ يعم جميع المكاره التي تنزل بهم، وذلك كله راجع إلى إدخالهم النار، وهذا نظير قوله رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران: ١٩٢] . وقوله أَيْنَ شُرَكائِيَ توبيخ لهم وأضافهم إلى نفسه في مخاطبة الكفار أي على زعمكم ودعواكم، قال أبو علي: وهذا كما قال الله تعالى حكاية ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: ٤٩] وكما قال يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزخرف: ٤٩] .
قال القاضي أبو محمد: والإضافات تترتب معقولة وملفوظا بأرق سبب، وهذا كثير في كلامهم، ومنه قول الشاعر:
إذا قلت قدني قال تالله حلفة ... لتغني عني ذا إنائك أجمعا
فأضاف الإناء إلى حابسه، وقرأ البزي عن ابن كثير «شركاي» بقصر الشركاء، وقرأت فرقة «شركاءي» بالمد وياء ساكنة، وتُشَاقُّونَ معناه تحاربون وتحارجون، أي تكون في شق والحق في شق، وقرأ الجمهور «تشاقون» بفتح النون، وقرأ نافع وحده بكسر النون، ورويت عن الحسن بخلاف وضعف هذه القراءة أبو حاتم، وقد تقدم القول في مثله في الحجر في تُبَشِّرُونَ [الحجر: ٥٤] ، وقرأت فرقة «تشاقونّي» بشد النون وياء بعدها، والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ هم الملائكة فيما قال بعض المفسرين، وقال يحيى بن سلام: هم المؤمنون وهذا الخطاب منهم يوم القيامة.