وَالَّذِينَ هادُوا هم اليهود، وسموا بذلك لقولهم إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ [الأعراف: ١٥٦] أي تبنا، فاسمهم على هذا من هاد يهود، وقال الشاعر:[السريع] إني امرؤ من مدحتي هائد أي تائب، وقيل: نسبوا إلى يهوذا بن يعقوب، فلما عرب الاسم لحقه التغيير كما تغير العرب في بعض ما عربت من لغة غيرها، وحكى الزهراوي أن التهويد النطق في سكون ووقار ولين، وأنشد:
وخود من اللائي تسمعن بالضحى ... قريض الردافى بالغناء المهود
قال: ومن هذا سميت اليهود، وقرأ أبو السمال «هادوا» بفتح الدال.
وَالنَّصارى لفظة مشتقة من النصر، إما لأن قريتهم تسمى ناصرة، ويقال نصريا ويقال نصرتا، وإما لأنهم تناصروا، وإما لقول عيسى عليه السلام مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران: ١٥٢، الصف: ٤] قال سيبويه: واحدهم نصران ونصرانة كندمان وندمانة وندامى، وأنشد:[أبو الأخرز الحماني] : [الطويل]
فكلتاهما خرت وأسجد رأسها ... كما سجدت نصرانة لم تحنّف
وأنشد الطبري:[الطويل]
يظل إذا دار العشيّ محنّفا ... ويضحي لديها وهو نصران شامس
قال سيبوية: إلا أنه لا يستعمل في الكلام إلّا بياء نسب، قال الخليل: واحد النَّصارى نصريّ كمهريّ ومهارى.
والصابىء في اللغة من خرج من دين إلى دين، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبا، وقيل إنها سمتهم بذاك لما أنكروا الآلهة تشبيها بالصابئين في الموصل الذين لم يكن لهم بر إلا قولهم لا إله إلا الله، وطائفة همزته وجعلته من صبأت النجوم إذا طلعت، وصبأت ثنية الغلام إذا خرجت، قال أبو علي:
يقال صبأت على القوم بمعنى طرأت، فالصابىء التارك لدينه الذي شرع له إلى دين غيره، كما أن الصابىء على القوم تارك لأرضه ومنتقل إلى سواها، وبالهمز قرأ القراء غير نافع فإنه لم يهمزه، ومن لم يهمز جعله من صبا يصبو إذا مال، أو يجعله على قلب الهمزة ياء، وسيبويه لا يجيزه إلا في الشعر.
وأما المشار إليهم في قوله تعالى: وَالصَّابِئِينَ فقال السدي: هم فرقة من أهل الكتاب، وقال مجاهد: هم قوم لا دين لهم، ليسوا بيهود ولا نصارى، وقال ابن أبي نجيح: هم قوم تركب دينهم بين اليهودية والمجوسية، لا تؤكل ذبائحهم، وقال ابن زيد: هم قوم يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب، كانوا بجزيرة الموصل، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويصلون الخمس ويقرؤون الزبور، رآهم زياد بن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حتى عرف أنهم يعبدون الملائكة.