وقد لبست بعد الزبير مجاشع ... ثياب التي حاضت ولم تغسل الدما
كأن العار لما باشرهم وألصق بهم جعلهم لبسوه، قوله «أذاقها» نظير قوله تعالى ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: ٤٩] ونظير قول الشاعر:
دونك ما جنيته فأحسن وذق
وقرأ الجمهور:«والخوف» عطفا على الْجُوعِ وقرأ أبو عمرو: بخلاف عنه «والخوف» عطفا على قوله لِباسَ، وفي مصحف أبي بن كعب «لباس الخوف والجوع» ، وقرأ ابن مسعود، «فأذاقها الله الخوف والجوع» ولا بذكر لِباسَ، والضمير في جاءَهُمْ لأهل مكة، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والْعَذابُ الجوع وأمر بدر ونحو ذلك إن كان التمثيل بمكة وكانت الآية مدنية، وإن كانت مكية فهو الجوع فقط، وذكر الطبري أنه القتل ببدر، وهذا يقتضي أن الآية نزلت بالمدينة، وإن كان التمثيل بمدينة قديمة غير معينة، فيحتمل أن يكون الضمير في جاءَهُمْ لأهل تلك المدينة، ويكون هذا مما جرى فيها كمدينة شعيب وغيره ويحتمل أن يكون الضمير المذكور لأهل مكة وتأمل. وقوله فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ الآية، هذا ابتداء كلام آخر، ومعنى حكم، والفاء في قوله فَكُلُوا الصلة الكلام واتساق الجمل خرج من ذكر الكافرين والميل عليهم إلى أمر المؤمنين بشرع ما فوصل الكلام بالفاء وليست المعاني موصولة، هذا قول، والذي عندي أن الكلام متصل المعنى، أي وأنتم أيها المؤمنون لستم كهذه القرية، فَكُلُوا واشكروا الله على تباين حالكم من حال الكفرة وهذه الآية هي بسبب أن الكفار كانوا سنوا في الأنعام سننا وحرموا بعضا وأحلوا بعضا فأمر الله تعالى المؤمنين بأكل جميع الأنعام التي رزقها الله عباده وقوله حَلالًا حال، وقوله طَيِّباً أي مستلذا، ووقع النص في هذا على المستلذات ففيه ظهور النعمة وهو عظم النعم وإن كان الحلال قد يكون غير مستلذ، ويحتمل أن يكون الطيب بمعنى الحلال وكرره مبالغة وتوكيدا وباقي الآية بين، وقوله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إقامة للنفوس كما تقول لرجل: إن كنت من الرجال فافعل كذا، على معنى إقامة نفسه، وذكر الطبري: أن بعض الناس قال نزلت هذه الآية خطابا للكافر عن طعام كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثه إليهم في جوعهم، وأنحى الطبري على هذا القول وكذلك هو فاسد من غير وجه.