قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن تكون قَضى على مشهورها في الكلام، ويكون الضمير في قوله تَعْبُدُوا للمؤمنين من الناس إلى يوم القيامة، لكن على التأويل الأول يكون قوله: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً عطفا على «أن» الأولى أي أمر الله ألا تعبدوا إلا إياه وأن تحسنوا بالوالدين إحسانا، وعلى هذا الاحتمال الذي ذكرناه يكون قوله وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً مقطوعا من الأول كأنه أخبرهم بقضاء الله ثم أمرهم بالإحسان إلى الوالدين، وإِمَّا شرطية، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر وعاصم وابن عامر «يبلغنّ» ، وروي عن ابن ذكوان «يبلغن» بتخفيف النون، وقرأ حمزة والكسائي «يبلغان» وهي قراءة أبي عبد الرحمن ويحيى وطلحة والأعمش والجحدري، وهي النون الثقيلة دخلت مؤكدة وليست بنون تثنية فعلى القراءتين الأوليين يكون قوله أَحَدُهُما فاعلا، وقوله أَوْ كِلاهُما معطوفا عليه، وعلى هذه القراءة الثانية يكون قوله أَحَدُهُما بدلا من الضمير في يبلغان وهو بدل مقسم كقول الشاعر:[الطويل]
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلّت
ويجوز أن يكون أَحَدُهُما فاعلا وقوله أَوْ كِلاهُما عطف عليه ويكون ذلك على لغة من قال أكلوني البراغيث، وقد ذكر هذا في هذه الآية بعض النحويين وسيبويه لا يرى لهذه اللغة مدخلا في القرآن، وقرأ أبو عمرو «أفّ» بكسر الفاء وترك التنوين، وهي قراءة حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر وقرأ نافع والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة وعيسى «أفّ» بالكسر والتنوين، وقرأ ابن كثير وابن عامر «أفّ» بفتح الفاء، وقرأ أبو السمال «أفّ» بضم الفاء، وقرأ ابن عباس «أف» خفيفة، وهذا كله بناء إلا أن قراءة نافع تعطي التنكير كما تقول آية، وفيها لغات لم يقرأ بها «أف» بالرفع والتنوين على أن هارون حكاها قراءة، «وأفّا» بالنصب والتنوين «وأفي» بياء بعد الكسرة حكاها الأخفش الكبير، «وأفا» بألف بعد الفتحة، «وأفّ» بسكون الفاء المشددة «وأف» مثل رب، ومن العرب من يميل «أفا» ، ومنهم من يزيد فيها هاء السكت فيقول «أفاه» .
قال القاضي أبو محمد: ومعنى اللفظة أنها اسم فعل كأن الذي يريد أن يقول أضجر أو أتقذر أو أكره أو نحو هذا يعبر إيجازا بهذه اللفظة، فتعطي معنى الفعل المذكور، وجعل الله تعالى هذه اللفظة مثالا لجميع ما يمكن أن يقابل به الآباء مما يكرهون، فلم ترد هذه في نفسها، وإنما هي مثال الأعظم منها، والأقل فهذا هو مفهوم الخطاب الذي المسكوت عنه حكمه حكم المذكور، والانتهار إظهار الغضب في الصوت واللفظ، والقول الكريم الجامع للمحاسن من اللين وجودة المعنى وتضمن البر، وهذا كما تقول ثوب كريم تريد أنه جم المحاسن، و «الأف» وسخ الأظفار، فقالت فرقة إن هذه اللفظة التي في الآية مأخوذة من ذلك وقال مجاهد في قوله وفَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ معناه إذا رأيت منهما في حال الشيخ الغائط والبول الذي رأياه في حال الصغر فلا تستقذرهما. وتقول أُفٍّ.
قال القاضي أبو محمد: والآية أعم من هذا القول وهو داخل في جملة ما تقتضيه، وقال أبو الهدّاج النجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظّ، وقوله وَاخْفِضْ لَهُما