للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخصص أجنبيا من ذلك، ولا ينكر وقوع المنقطع في القرآن إلا أعجمي، وقد حكي ذلك عن ابن خويز منداد، ثم عدد عليه عز وجل كبر فضله في اختصاصه بالنبوة وحمايته من المشركين إلى غير ذلك مما لا يحصى. وقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ الآية، سبب هذه الآية أن جماعة من قريش قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد جئتنا بآية غريبة غير هذا القرآن، فإنا نقدر على المجيء بمثل هذا، فنزلت هذه الآية المصرحة بالتعجيز، المعلمة بأن جميع الخلائق لو تعاونوا إنسا وجنا على ذلك لم يقدروا عليه، والعجز في معارضة القرآن إنما وقع في النظم والرصف لمعانيه، وعلة ذلك الإحاطة التي لا يتصف بها إلا الله عز وجل، والبشر مقصر ضرورة بالجهل والنسيان والغفلة وأنواع النقص

، فإذا نظم كلمة خفي عنه للعلل التي ذكرنا أليق الكلام بها في المعنى، وقد ذكرت هذه المسألة في صدر هذا الديوان، وقوله لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ في موضع رفع، ولا متلقية قسما، واللام في قوله لَئِنِ مؤذنه غير لازمة قد تحذف أحيانا، وقد تجيء هذه اللام مؤكدة فقط، ويجيء الفعل المنفي مجزوما، وهذا اعتماد على الشرط ومنه قول الأعمش: [البسيط]

لئن منيت بنا عن غر معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتقل

و «الظهير» المعين، ومنه قوله عز وجل وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ [التحريم: ٤] الآية: وفهمت العرب بخلوص فهمها في ميز الكلام ودربتها به ما لا نفهمه نحن، ولا كل من خالطته حضارة، ففهموا العجز عنه ضرورة ومشاهدة، وعلمه الناس بعدهم استدلالا ونظرا، ولكل حصل علم قطعي، لكن ليس في مرتبة واحدة، وهذا كما علمت الصحابة شرع النبي وأعماله مشاهدة علم ضرورة وعلمنا نحن المتواتر من ذلك بنقل التواتر، فحصل للجميع القطع، لكن في مرتبتين، وفهم إعجاز القرآن أرباب الفصاحة الذين لهم غرائب في ميز الكلام، ألا ترى إلى فهم الفرزدق شعر جرير في شعر ذي الرمة في قوله: يعد الناسبون إلى تميم.

الأبيات كلها، وألا ترى قصة جرير في نوادره مع الفرزدق في قول الفرزدق: على م تلفتين، وفي قوله: تلفت أنها تحت ابن قين.

وألا ترى إلى قول الأعرابي: عز فحكم فقطع، وألا ترى إلى استدلال الآخر على البعث بقوله حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ [التكاثر: ٢] فقال إن الزيارة تقتضي الانصراف ومنه علم بشار بقول أبي عمرو بن العلاء في شعر الأعشى: وأنكرتني وما كان الذي نكرت، ومنه قول الأعرابي للأصمعي: من أحوج الكريم إلى أن يقسم؟ ومن فهمهم أنهم ببدائههم يأتون بكلمة منثورة تفضل المنقح من الشعر، وأمثلة ذلك محفوظة، ومن ذلك أجوبتهم المسكتة إلى غير ذلك من براعتهم في الفصاحة، وكونهم فيها النهاية، كما كان السحر في زمن موسى، والطب في زمن عيسى، فهم مع هذه الأفهام أقروا بالعجز، ولجأ المحاد منهم إلى السيف، ورضي بالقتل والسبا وكشف الحرم، وهو كان يجد المندوحة عن ذلك بالمعارضة، وكذلك التحدي بالعشر السور، والتحدي بالسورة إنما وقع كله على حد واحد في النظم خاصة، وقيد العشر بالافتراء لأنهم ذكروا أن القرآن مفترى، فدعاهم بعقب ذكر ذلك إلى الإتيان بعشر سور مفتريات، ولم يذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>