عِوَجاً يعم هذا وجميع ما ذكره الناس من أنه لا تناقض فيه ومن أنه لا خلل ولا اختلاف فيه. وقوله قَيِّماً نصب على الحال من الْكِتابَ، فهو بمعنى التقديم، مؤخر في اللفظ، أي أنزل الكتاب قيما، واعترض بين الحال وذي الحال قوله: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً وذكر الطبري هذا التأويل عن ابن عباس، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مضمر تقديره أنزله أو جعله قَيِّماً، وفي بعض مصاحف الصحابة «ولم يجعل له عوجا لكن جعله قيما» قاله قتادة، ومعنى «قيم» مستقيم، هذا قول ابن عباس والضحاك، وقيل معناه أنه قيم على سائر الكتب بتصديقها، ذكره المهدوي، وهذا محتمل وليس من الاستقامة ويصح أن يكون معنى «قيم» قيامه بأمر الله عز وجل على العالم، وهذا المعنى يؤيده ما بعده من النذارة والبشارة اللذين عما العالم. و «البأس الشديد» عذاب الآخرة، ويحتمل أن يندرج معه في النذارة عذاب الدنيا ببدر وغيرها، ونصبه على المفعول الثاني، والمعنى لينذر العالم، وقوله مِنْ لَدُنْهُ أي من عنده ومن قبله، والضمير في لَدُنْهُ عائد على الله تعالى، وقرأ الجمهور من «لدنه» بضم الدال وسكون النون وضم الهاء، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «من لدنه» بسكون الدال وإشمام الضم فيها وكسر النون والهاء، وفي «لدن» لغات، يقال «لدن» مثل سبع، «ولدن» بسكون الدال «ولدن» بضم اللام، «ولدن» بفتح اللام والدال وهي لفظة مبنية على السكون، ويلحقها حذف النون مع الإضافة، وقرأ عبد الله وطلحة «ويبشر» بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين، وقوله أَنَّ لَهُمْ أَجْراً تقديره بأن لهم أجرا، والأجر الحسن نعيم الجنة، ويتقدمه خير الدنيا، و، ماكِثِينَ حال من الضمير في لَهُمْ وأَبَداً ظرف لأنه دال على زمن غير متناه.
قال القاضي أبو محمد: وقد أشرت في تفسير هذه الآية إلى أمر اليهود قريشا بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل الثلاث، وينبغي أن تنص كيف كان ذلك.
ذكر ابن إسحاق عن ابن عباس بسند، أنه قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى أتيا المدينة، فسألا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول وما كان من أمرهم؟ فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح. فأقبل النضر وعقبة إلى مكة وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكان الأمر ما ذكرناه، وقوله وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ الآية، أهل هذه المقالة هم بعض اليهود في عزير، والنصارى في المسيح، وبعض العرب في الملائكة، والضمير في بِهِ يحتمل أن يعود على القول الذي يتضمنه قالُوا المتقدم، وتكون جملة قوله ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ في موضع الحال، أي قالوا جاهلين، ويحتمل أن يعود على «الولد» الذي ادعوه، فتكون الجملة صفة للولد، قاله المهدوي، وهو معترض لأنه لا يصفه إلا القائل، وهم ليس في قصدهم أن يصفوه، والصواب عندي أنه نفي مؤتنف أخبر الله تعالى بجهلهم في ذلك، فلا موضع للجملة من الإعراب، ويحتمل أن يعود على الله عز وجل، وهذا التأويل أذم لهم وأقضى بالجهل التام عليهم، وهو قول الطبري. وقوله وَلا لِآبائِهِمْ يريد الذين أخذ هؤلاء هذه المقالة عنهم،