فرقة: أراد كل ما على الأرض عموما وليس شيء إلا وفيه زينة من جهة خلقه وصنعته وإحكامه. وفي معنى هذه الآية، قول النبي عليه السلام:«الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» . وزِينَةً مفعول ثان أو مفعول من أجله بحسب معنى «جعل» . وقوله لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي لنختبرهم وفي هذا وعيد ما، قال سفيان الثوري:«أحسنهم عملا» أزهدهم فيها، وقال أبو عاصم العسقلاني: أحسن عملا: أترك لها.
قال القاضي أبو محمد: وكان أبي رضي الله عنه يقول: أحسن العمل أخذ بحق واتفاق في حق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم، والإكثار من المندوب إليه. وقوله وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً، أي يرجع كل ذلك ترابا غير متزين بنبات ونحوه، و «الجرز» الأرض التي لا شيء فيها من عمارة وزينة، فهي البلقع، وهذه حالة الأرض العامرة الخالية بالدين لا بد لها من هذا في الدنيا جزءا جزءا من الأرض ثم يعمها ذلك بأجمعها عند القيامة، يقال: جرزت الأرض بقحط أو جراد أو نحوه إذا ذهب نباتها وبقيت لا شيء فيها ولا نفع، وأرضون أجراز، قال الزجاج: والجرز الأرض التي لا تنبت.
قال القاضي أبو محمد: وإنما ينبغي أن يقول: التي لم تنبت، و «الصعيد» وجه الأرض وقيل «الصعيد» التراب خاصة، وقيل «الصعيد» الأرض الطيبة وقيل، «الصعيد» الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة، وقوله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ الآية، مذهب سيبويه في أَمْ إذا جاءت دون أن يتقدمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الاستفهام كأنه قال: بل أحسبت إضرابا عن الحديث الأول واستفهاما عن الثاني وقال بعض النحويين: هي بمنزلة ألف الاستفهام، وأما معنى الكلام فقال الطبري: هو تقرير للنبي صلى الله عليه وسلم على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا عجبا بمعنى إنكار ذلك عليه أي لا تعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم وأشنع، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق، وذكر الزهراوي: أن الآية تحتمل معنى آخر وهو أن تكون استفهاما له هل علم أصحاب الكهف عجبا، بمعنى إثبات أنهم عجب وتكون فائدة تقريره جمع نفسه للام لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته فيقال له: وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا التأويل هو في لفظه حسبت فتأمله، والْكَهْفِ النقب المتسع في الجبل وما لم يتسع منها فهو غار، وحكى النحاس عن أنس بن مالك أنه قال: الْكَهْفِ الجبل وهذا غير شهير في اللغة، واختلف الناس في الرَّقِيمِ، فقال كعب، الرَّقِيمِ القرية التي كانت بإزاء الْكَهْفِ، وقال ابن عباس وقتادة: الرَّقِيمِ الوادي الذي كان بإزائه وهو واد بين عصبان وأيلة دون فلسطين، وقال ابن عباس أيضا هو الجبل الذي فيه الْكَهْفِ، وقال السدي: الرَّقِيمِ الصخرة التي كانت على الْكَهْفِ، وقال ابن عباس الرَّقِيمِ كتاب مرقوم كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين عيسى، وقيل من دين قبل عيسى، وقال ابن زيد: كتاب عمى الله علينا أمره ولم يشرح لنا قصته، وقالت فرقة: الرَّقِيمِ كتاب في لوح نحاس، وقال ابن عباس: في لوح رصاص كتب فيه القوم الكفار الذين فر الفتية منهم قصتهم وجعلوها تاريخا لهم ذكروا وقت فقدهم وكم كانوا وبني من كانوا، وقال سعيد بن جبير: الرَّقِيمِ لوح من حجارة كتبوا فيه قصة أَصْحابَ الْكَهْفِ ووضعوه على باب الكهف، ويظهر من هذه الروايات أنهم كانوا قوما مؤرخين للحوادث وذلك من