قال قتادة ومطر الوراق وغيرهما وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ الآية حكاية عن بني إسرائيل أنهم قالوا ذلك، واحتجا بأن قراءة عبد الله بن مسعود، وفي مصحفه:«وقالوا لبثوا في كهفهم» ، وذلك عند قتادة، على غير قراءة عبد الله، عطف على وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ [الكهف: ٢٢] ، ذكره الزهراوي، ثم أمر الله نبيه بأن يرد العلم إليه ردا على مقالهم وتقييدا له، قال الطبري: وقال بعضهم: لو كان ذلك خبرا من الله، لم يكن لقوله قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وجه مفهوم.
قال القاضي أبو محمد: أين ذهب بهذا القائل، وما الوجه المفهوم البارع إلا أن تكون الآية خبرا عن لبثهم، ثم قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا فخبره هذا هو الحق من عالم الغيب فليزل اختلافكم أيها المخرصون، وقال المحققون: بل قوله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ الآية خبر من الله تعالى عن مدة لبثهم، ثم اختلف في معنى قوله بعد الإخبار قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا فقال الطبري: إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم إلى مدة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم إنهم لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فأخبر الله نبيه أن هذه المدة في كونهم نياما، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر، فأمره الله أن يرد علم ذلك إليه فقوله على هذا التأويل لَبِثُوا الأول، يريد في نوم الكهف، ولَبِثُوا الثاني: يريد بعد الإعثار موتى إلى مدة محمد عليه السلام، إلى وقت عدمهم بالبلى، على الاختلاف الذي سنذكره بعد، وقال بعضها إنه لما قال: وَازْدَادُوا تِسْعاً لم يدر الناس أهي ساعات، أم أيام، أم جمع، أم شهور، أم أعوام. واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك، فأمره الله برد العلم إليه، يريد في التسع فهي على هذا مبهمة، وظاهر كلام العرب والمفهوم منه أنها أعوام، والظاهر من أمرهم أنهم قاموا ودخلوا الكهف بعد عيسى بيسير، وقد بقيت من الحواريين بقية، وحكى النقاش ما معناه: أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية بحساب الأمم، فلما كان الإخبار هنا للنبي العربي ذكرت التسع، إذ المفهوم عنده من السنين القمرية، فهذه الزيادة هي ما بين الحسابين، وقرأ الجمهور «ثلاثمائة سنين» بتنوين مائة ونصب «سنين» على البدل من «ثلاثمائة» ، وعطف البيان، وقيل على التفسير والتمييز وقرأ حمزة والكسائي ويحيى وطلحة والأعمش بإضافة «مائة» إلى «سنين» ، وترك التنوين، وكأنهم جعلوا «سنين» بمنزلة سنة، إذ المعنى بهما واحد قال أبو علي: إذ هذه الأعداد التي تضاف في المشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل وثوب، قد تضاف إلى الجموع، وأنحى أبو حاتم على هذه القراءة، وفي مصحف عبد الله بن مسعود:
«ثلاثمائة سنة» ، وقرأ الضحاك «ثلاثمائة سنون» ، بالواو، وقرأ أبو عمرو بخلاف:«تسعا» بفتح التاء، وقرأ الجمهور «تسعا» بكسر التاء، وقوله أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ أي ما أبصره وأسمعه. قال قتادة: لا أحد أبصر من الله ولا أسمع، وهذه عبارات عن الإدراك، ويحتمل أن يكون المعنى: أبصر به أي بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحق من الأمور. وأسمع به العالم، فتكون أمرين، لا على وجه التعجب، وقوله ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ يحتمل أن يعود الضمير في لَهُمْ على أصحاب الكهف، أي هذه قدرته وحده، لم