وغيره، والفتاح هو القاضي بلغة اليمن، و «يحاجوكم» من الحجة، وأصله من حج إذا قصد، لأن المتحاجّين كل واحد منهما يقصد غلبة الآخر، وعِنْدَ رَبِّكُمْ معناه في الآخرة، وقيل عند بمعنى في ربكم، أي فيكونون أحق به، وقيل: المعنى عند ذكر ربكم.
وقوله تعالى: أَفَلا تَعْقِلُونَ قيل: هو من قول الأحبار للأتباع، وقيل: هو خطاب من الله للمؤمنين، أي أفلا تعقلون أن بني إسرائيل لا يؤمنون وهم بهذه الأحوال. والعقل علوم ضرورية وقرأ الجمهور «أولا يعلمون» بالياء من أسفل، وقرأ ابن محيصن «أو لا تعلمون» بالتاء خطابا للمؤمنين، والذي أسروه كفرهم، والذي أعلنوه قولهم آمنا، هذا في سائر اليهود، والذي أسره الأحبار صفة محمد صلى الله عليه وسلم والمعرفة به، والذي أعلنوه الجحد به، ولفظ الآية يعم الجميع.
وأُمِّيُّونَ هنا عبارة عن جهلة بالتوراة، قال أبو العالية ومجاهد وغيرهما: المعنى ومن هؤلاء اليهود المذكورين، فالآية منبهة على عامتهم وأتباعهم، أي إنهم ممن لا يطمع في إيمانهم لما غمرهم من الضلال، وقيل: المراد هنا بالأميين قوم ذهب كتابهم لذنوب ركبوها فبقوا أميين، وقال عكرمة والضحاك:
هم في الآية نصارى العرب، وقيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنه قال: هم المجوس. والضمير في مِنْهُمْ على هذه الأقوال هو للكفار أجمعين، قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقول أبي العالية ومجاهد أوجه هذه الأقوال، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة «أميون» بتخفيف الميم، والأمي في اللغة الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب، نسب إلى الأم: إما لأنه بحال أمه من عدم الكتاب لا بحال أبيه، إذ النساء ليس من شغلهن الكتاب، قاله الطبري، وإما لأنه بحال ولدته أمه فيها لم ينتقل عنها، وقيل نسب إلى الأمة وهي القامة والخلقة، كأنه ليس له من الآدميين إلا ذلك، وقيل نسب إلى الأمة على سذاجتها قبل أن تعرف المعارف، فإنها لا تقرأ ولا تكتب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في العرب:«إنا أمة أميّة لا نحسب ولا نكتب» ، الحديث: والألف واللام في الْكِتابَ للعهد، ويعني به التوراة في قول أبي العالية ومجاهد. والأماني جمع أمنية، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع في بعض ما روي عنه «أماني» بتخفيف الياء، وأصل أمنية أمنوية على وزن أفعولة، ويجمع هذا الوزن على أفاعل، وعلى هذا يجب تخفيف الياء، ويجمع على أفاعيل فعلى هذا يجيء أمانيي أدغمت الياء في الياء فجاء «أماني» .
واختلف في معنى أَمانِيَّ، فقالت طائفة: هي هنا من تمني الرجل إذا ترجى، فمعناه أن منهم من لا يكتب ولا يقرأ وإنما يقول بظنه شيئا سمعه، فيتمنى أنه من الكتاب، وقال آخرون: هي من تمنى إذا تلا، ومنه قوله تعالى إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج: ٥٢] ومنه قول الشاعر [كعب بن مالك] :
[الطويل]
تمنى كتاب الله أول ليله ... وآخره لاقى حمام المقادر
فمعنى الآية أنهم لا يعلمون الكتاب إلا سماع شيء يتلى لا علم لهم بصحته، وقال الطبري: هي من تمنى الرجل إذا حدث بحديث مختلق كذب، وذكر أهل اللغة أن العرب تقول تمنى الرجل إذا كذب واختلق الحديث، ومنه قول عثمان رضي الله عنه:«ما تمنيت ولا تغنيت منذ أسلمت» .