وقالت فرقة إن هلك يتعدى، تقول أهلكت الرجل وهلكته بمعنى واحد، وأنشد أبو علي في ذلك:[الرجز] ومهمه هالك من تعرجا فعلى هذا يكون المصدر في كل وجه مضافا إلى المفعول، وقوله وَإِذْ قالَ مُوسى الآية ابتداء قصة ليست من الكلام الأول، المعنى: اذكر واتل، ومُوسى هو موسى بن عمران بمقتضى الأحاديث والتواريخ وبظاهر القرآن، إذ ليس في القرآن موسى غير واحد، وهو ابن عمران ولو كان في هذه الآية غيره لبينه، وقالت فرقة منها نوف البكالي أنه ليس موسى بن عمران، وهو موسى بن مشنى، ويقال ابن منسى، وأما «فتاه» فعلى قول من قال موسى بن عمران، فهو يوشع بن نون بن إفراييم بن يوسف بن يعقوب، وأما من قال هو موسى بن مشنى فليس الفتى يوشع بن نون، ولكنه قول غير صحيح، رده ابن عباس وغيره و «الفتي» في كلام العرب الشاب، ولما كان الخدمة أكثر ما يكونون فتيانا، قيل للخادم فتى، على جهة حسن الأدب، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي وليقل فتاي وفتاتي» ، فهذا ندب إلى التواضع، و «الفتى» في الآية هو الخادم، ويوشع بن نون يقال هو ابن أخت موسى عليه السلام، وسبب هذه القصة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى جلس يوما في مجلس لبني إسرائيل، وخطب فأبلغ، فقيل له هل تعلم أحدا أعلم منك قال لا، فأوحى الله إليه بلى:
عبدنا خضر، فقال يا رب دلني على السبيل إلى لقيه، فأوحى الله إليه أن يسير بطول سيف البحر حتى يبلغ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فإذا فقدت الحوت فإنه هنالك، وأمر أن يتزود حوتا، ويرتقب زواله عنه، ففعل موسى ذلك وقال لفتاه على جهة إمضاء العزيمة لا أَبْرَحُ أسير، أي لا أزال، وإنما قال هذه المقالة وهو سائر، ومن هذا قول الفرزدق:[الطويل]
فما برحوا حتى تهادت نساؤهم ... ببطحاء ذي قار عياب اللطائم
وذكر الطبري عن ابن عباس: قال: لما ظهر موسى وقومه على مصر، أنزل قومه بمصر، فلما استقرت الحال خطب يوما، فذكر بآلاء الله وأيامه عند بني إسرائيل، ثم ذكر نحو ما تقدم، وما مر بي قط أن موسى عليه السلام أنزل قومه بمصر إلا في هذا الكلام، وما أراه يصح، بل المتظاهر أن موسى مات بفحص التيه قبل فتح ديار الجبارين، وفي هذه القصة من الفقه الرحلة في طلب العلم، والتواضع للعالم، وقرأ الجمهور «مجمع» بفتح الميمين، وقرأ الضحاك «مجمع» بكسر الميم الثانية، واختلف الناس في مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أين هو؟ فقال مجاهد وقتادة هو مجتمع بحر فارس وبحر الروم.
قال القاضي أبو محمد: وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام، هو مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ
هو عند طنجة وهو حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه السائر من دبور إلى صبا. وروي عن أبي بن كعب أنه قال مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ بإفريقية، وهذا يقرب من الذي قبله، وقال بعض أهل العلم هو بحر الأندلس من البحر المحيط، وهذا كله واحد حكاه النقاش وهذا مما يذكر كثيرا، ويذكر أن القرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء، وقالت فرقة مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ يريد بحرا ملحا وبحرا عذبا، فعلى هذا إنما كان