وجه القراءة بها، وقرأ عيسى بن عمر وعطاء بن أبي رباح «حسنا» بضم الحاء والسين، وقال ابن عباس:
معنى الكلام قولوا لهم لا إله إلا الله ومروهم بها، وقال ابن جريج: قولوا لهم حسنا في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال سفيان الثوري: معناه مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وقال أبو العالية: معناه قولوا لهم الطيب من القول وحاوروهم بأحسن ما تحبون أن تحاوروا به، وهذا حض على مكارم الأخلاق، وحكى المهدوي عن قتادة أن قوله تعالى وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً:
منسوخ بآية السيف.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا على أن هذه الأمة خوطبت بمثل هذا اللفظ في صدر الإسلام، وأما الخبر عن بني إسرائيل وما أمروا به فلا نسخ فيه، وقد تقدم القول في إقامة الصلاة، وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها وتنزل النار على ما تقبل ولا تنزل على ما لم يتقبل، ولم تكن كزكاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:«الزكاة التي أمروا بها طاعة الله والإخلاص» .
وقوله تعالى ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ الآية خطاب لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم أسند إليهم تولي أسلافهم، إذ هم كلهم بتلك السبيل، قال نحوه ابن عباس وغيره، وثُمَّ مبنية على الفتح ولم تجر مجرى رد وشد لأنها لا تتصرف، وضمت التاء الأخيرة من تَوَلَّيْتُمْ لأن تاء المفرد أخذت الفتح وتاء المؤنث أخذت الكسر فلم يبق للتثنية والجمع إلا الضم، وقَلِيلًا نصب على الاستثناء قال سيبويه: المستثنى منصوب على التشبيه بالمفعول به، قال المبرد: هو مفعول حقيقة لأن تقديره استثنيت كذا، والمراد بالقليل جميع مؤمنيهم قديما من أسلافهم وحديثا كابن سلام وغيره، والقلة على هذه هي في عدد الأشخاص، ويحتمل أن تكون القلة في الإيمان أي لم يبق حين عصوا وكفر آخرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا إيمان قليل، إذ لا ينفعهم، والأول أقوى، وقرأ قوم «إلا قليل» برفع القليل، ورويت عن أبي عمرو، وهذا على بدل قليل من الضمير في تَوَلَّيْتُمْ، وجاز ذلك مع أن الكلام لم يتقدم فيه نفي لأن تَوَلَّيْتُمْ معناه النفي كأنه قال ثم لم تفوا بالميثاق إلا قليل، والسفك صب الدم وسرد الكلام، وقرأ طلحة بن مصرف وشعيب بن أبي حمزة «لا تسفكون» بضم الفاء، وقرأ أبو نهيك «تسفّكون» بضم التاء وكسر الفاء وتضعيفها، وإعراب لا تَسْفِكُونَ كما تقدم في لا تَعْبُدُونَ، ودِماءَكُمْ جمع دم، وهو اسم منقوص أصله دمي، وتثنيته دميان، وقيل أصله دمي بسكون الميم، وحركت في التثنية لتدل الحركة على التغيير الذي في الواحد.
وقوله تعالى وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ معناه ولا ينفي بعضكم بعضا بالفتنة والبغي، ولما كانت ملتهم واحدة وأمرهم واحدا وكانوا في الأمم كالشخص الواحد، جعل قتل بعضهم لبعض ونفي بعضهم بعضا قتلا لأنفسهم ونفيا لها، وكذلك حكم كل جماعة تخاطب بهذا اللف في القول، وقيل لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ أي لا يقتل أحد فيقتل قصاصا، فكأنه سفك دم نفسه لما سبب ذلك ولا يفسد في الأرض فينفى فيكون قد أخرج نفسه من دياره، وهذا تأويل فيه تكلف، وإنما كان الأمر أن الله تعالى قد أخذ على بني إسرائيل في التوراة ميثاقا أن لا يقتل بعضهم بعضا ولا ينفيه ولا يسترقه ولا يدعه يسترق إلى غير ذلك من الطاعات.