وتمشي وتلتقم الحجارة، فلما رآها موسى رأى عبرة فولى مدبرا ولم يعقب، فقال الله تعالى له: خُذْها وَلا تَخَفْ وذلك أنه أوجس في نفسه خيفة أي لحقه ما يلحق البشر، وروي أن موسى تناولها بكمي جبته فنهي عن ذلك، فأخذها بيده فصارت عصا كما كانت أول مرة وهي سِيرَتَهَا الْأُولى ثم أمره الله عز وجل أن يضم يده إلى جنبه وهو الجناح استعارة ومجازا ومنه قول الراجز:[الرجز]«أضمه للصدر والجناح» وبعض الناس يقولون الجناح اليد وهذا كله صحيح على طريق الاستعارة، ألا ترى أن جعفر بن أبي طالب يسمى ذا الجناحين بسبب يديه حين أقيمت له الجناحان مقام اليدين شبه بجناح الطائر وكل مرعوب من ظلمة أو نحوها فإنه إذا ضم يده إلى جناحه فتر رعبه وربط جأشه فجمع الله لموسى عليه السلام تفتير الرعب مع الآية في اليد، وروي أن يد موسى خرجت بيضاء تشف وتضيء كأنها شمس. وقوله مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، أي من غير برص ولا مثلة بل هو أمر ينحسر ويعود لحكم الحاجة إليه. وقوله لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى يحتمل أن يريد وصف الآيات بالكبر على ما تقدم من قوله الْأَسْماءُ الْحُسْنى [طه: ٨] ، ومَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٨] ونحوه، ويحتمل أن يريد تخصيص هاتين الآيتين فإنهما أكبر الآيات كأنه قال لنريك الكبرى فهما معنيان، ثم أمره تبارك وتعالى بالذهاب إلى فرعون وهو مصعب بن الريان في بعض ما قيل، وقيل غير هذا، ولا صحة لشيء من ذلك. وطَغى معناه تجاوز الحد في فساد، وقوله قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي الآية، لما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون علم أنها الرسالة وفهم قدر التكليف فدعا الله في المعونة إذ لا حول له إلا به. واشْرَحْ لِي صَدْرِي معناه «لفهم ما يرد علي من الأمور والعقدة التي دعا في حلها هي التي اعترته بالجمرة التي جعلها في فيه حين جربه فرعون» . وروي في ذلك أن فرعون أراد قتل موسى وهو طفل حين مد يده إلى لحية فرعون، فقالت له امرأته إنه لا يعقل، فقال بل هو يعقل وهو عدو لي، فقالت له نجربه، قال أفعل، فدعت بجمرات من نار وبطبق فيه ياقوت فقالا إن أخذ الياقوت علمنا أنه يعقل وإن أخذ النار عذرناه فمد موسى يده إلى جمرة فأخذها فلم تعد على يده، فجعلها في فمه فأحرقته وأورث لسانه عقدة في كبره أي حبسة ملبسة في بعض الحروف قال ابن الجوهري «كف الله تعالى النار عن يده لئلا تقول النار طبعي واحترق لسانه لئلا يقول موسى مكانتي» وموسى عليه السلام إنما طلب من حل العقدة قدر أن يفقه قوله، فجائزا أن يكون ذلك كله زال، وجائزا أن يكون بقي منه القليل، فيجتمع أن يؤتى هو سؤله وأن يقول فرعون، ولا يكاد يبين، ولو فرضناه زال جملة لكان قول فرعون سبا لموسى بحالته القديمة. و «الوزير» المعين القائم بوزر الأمور وهو ثقلها ويحتمل الكلام أن طلب الوزير من أهله على الجملة ثم أبدل هارُونَ من الوزير المطلوب، ويحتمل أن يريد واجعل هارون وزيرا، فإنما ابتدأ الطلب فيه فيكون على هذا مفعولا أولا ب اجْعَلْ. وكان هارون عليه السلام أكبر من موسى بأربعة أعوام، وقرأ ابن عامر وحده «أشدد» بفتح الهمزة و «أشركه» بضمها على أن موسى أسند هذه الأفعال إلى نفسه، ويكون الأمر هنا لا يريد به النبوءة بل يريد تدبيره ومساعيه لأن النبوءة لا يكون لموسى أن يشرك فيها بشرا، وقرأ الباقون «أشدد» بضم الهمزة «وأشرك» على معنى الدعاء في شد الأزر وتشريك هارون في النبوءة وهذه هي الوجه لأنها تناسب ما تقدم من الدعاء وتعضدها آيات غير هذه بطلبه تصديق هارون إياه.