قول الحق إذا رأوه وأن لا يباهتوا بكذب وقرأ ابن عباس ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر «فيسحتكم» بفتح الياء، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «فيسحتكم» بضم الياء وهما لغتان بمعنى يقال سحت وأسحت إذا أهلك وأذهب ومنه قول الفرزدق: [الطويل]
وعض زماني يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلف
فهذا من أسحت فلما سمع السحرة هذه المقالة هالهم هذا المنزع ووقع في نفوسهم من مهابته أمر شديد فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ والتنازع يقتضي اختلافا كان بينهم في السر أي قال بعضهم لبعض هو محق، وقال بعضهم هو مبطل، وقال بعضهم إن كان من عند الله فسيغلبنا ونحو هذا من الأقوال التي تعهد من الجموع الكثيرة في وقت الخوف كالحرب ونحو هذا، ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى.
وقالت فرقة إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ع والأظهر أن تلك قيلت علانية ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثم تنازع، والنَّجْوى السرار والمساررة أي كان كل رجل يناجي من يليه، ثم جعلوا ذلك سرا مخافة فرعون أن يتبين فيهم ضعفا لأنهم لم يكونوا حينئذ مصممين على غلبة موسى بل كان ظنا من بعضهم، وقوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ الآية، قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي «إنّ» مشددة النون «هذان» بألف ونون مخففة للتثنية. وقرأ أبو عمرو وحده «إن هذين لساحران» وقرأ ابن كثير «إن هذان» بتخفيف نون «إن» وتشديد نون «هذان لسحران» ، وقرأ حفص عن عاصم «إن» بالتخفيف «هذان» خفيفة أيضا «لساحران» ، وقرأت فرقة «إن هذان إلا ساحران» ، وقرأت فرقة «إن ذان لساحران» ، وقرأت فرقة «ما هذان إلا ساحران» ، وقرأت فرقة «إن هذانّ» بتشديد النون من «هذان» . فأما القراءة الأولى فقالت فرقة قوله «إن» بمعنى نعم كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في خطبته:«إن الحمد لله» فرفع الحمد وقال ابن الزبير إن وراكبها حين قال له الرجل فأبعد الله ناقة حملتني إليك ويلحق هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الابتداء وهو مما يجوز في الشعر ومنه قول الشاعر: [الرجز]
أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه
وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية على لغة بلحارث وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض فمن ذلك قول الشاعر [هوبر الحارثي] : [الطويل]
تزود منها بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال الآخر:[الطويل]
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغا لنا باه الشجاع لصمها
وتعزى هذه اللغة لكنانة وتعزى لخثعم وقال الفراء الألف في «هذان» دعامة وليست بمجلوبة للتثنية وإنما هي ألف هذا تركبت في حال التثنية كما تقول الذي ثم تزيد في الجمع نونا وتترك الياء في حال الرفع والنصب والخفض وقال الزجاج في الكلام ضمير تقديره إنه هذان لساحران.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر وقال بعض النحاة ألف «هذان»