ذلك. ويحتمل أن تكون هذه المقالة خوطب بها معاصر ورسول الله صلى الله عليه وسلم، المعنى هذا فعلنا بأسلافكم ويكون قوله تعالى: كُلُوا بتقدير قيل لهم كلوا، وتكون الآية على هذا اعتراضا في أثناء قصة موسى المقصد به توبيخ هؤلاء الحضور إذ لم يصبر سلفهم على أداء شكر نعم الله تعالى، والمعنى الأول أظهر وأبين. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «نجينا وواعدنا ونزلنا ورزقناكم» إلا أن أبا عمرو قرأ «وعدناكم» بغير ألف في كل القرآن، وقرأ حمزة والكسائي «أنجيت وواعدت ونزلنا ورزقتكم» . وقوله وَواعَدْناكُمْ قيل هي لغة في وعد لا تقتضي فعل اثنين ع وإن حملت على المعهود فلأن التلقي والعزم على ذلك كالمواعدة، وقصص هذه الآية أن الله تعالى لما أنجى بني إسرائيل وغرق فرعون وعد بني إسرائيل وموسى أن يصيروا إلى جانب طور سيناء ليكلم فيه موسى ويناجيه بما فيه صلاحهم بأوامرهم ونواهيهم، فلما أخذوا في السير تعجل موسى عليه السلام للقاء ربه حسبما يأتي ذكره، وقالت فرقة هذا الطُّورِ هو الذي كلم فيه موسى أولا حيث رأى النار وكان في طريقه من الشام إلى مصر، وقالت فرقة ليس به والطُّورِ الجبل الذي لا شعرا فيه وقوله الْأَيْمَنَ إما أن يريد اليمن وإما أن يريد اليمين بالإضافة إلى ذي يمين إنسان أو غيره. والْمَنَّ وَالسَّلْوى طعامهم، وقد مضى في البقرة استيعاب تفسيرهما، وقوله تعالى: مِنْ طَيِّباتِ يريد الحلال الملذ لأن المعنى في هذا الموضع قد جمعهما واختلف الناس ما القصد الأول بلفظة الطيب في القرآن، فقال مالك رحمه الله الحلال، وقال الشافعي ما يطيب للنفوس، وساق إلى هذا الخلاف تفقههم في الخشاش والمستقذر من الحيوان. وتَطْغَوْا معناه تتعدون الحد وتتعسفون كالذي فعلوا ع. وقرأ جمهور الناس «فيحل» بكسر الحاء «ومن يحلل» بكسر اللام، وقرأ الكسائي وحده «فيحل» بضم الحاء «ومن يحلل» بضم اللام فمعنى الأول فيجب ومعنى الثاني فيقع وينزل، وهَوى معناه سقط من علو إلى أسفل ومنه قول خنافر:
فهوى هوي العقاب قال القاضي أبو محمد: وإن لم يكن سقوطا فهو شبيه بالساقط والسقوط حقيقة قول الآخر: [الوافر] هويّ الدلو أسلمه الرشاء ويشبه الذي وقع في طامة أو ورطة بعد أن كان بنجوة منها بالساقط فالآية من هذا أي «هوي» في جهنم وفي سخط الله، وقيل أخذ الفعل من لفظ الهاوية وهو قعر جهنم، ولما حذر الله تعالى غضبه والطغيان في نعمه فتح باب الرجاء للتائبين، والتوبة فرض على جميع الناس بقوله تعالى في سورة النور:
وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ [النور: ٣١] . والناس فيه على مراتب إما مواقع الذنب وقدرته على ذلك باقية فتوبته الندم على ما مضى والإقلاع التام عن مثله في المستقبل، وإما الذي واقع الذنب ثم زالت قدرته عن مواقعته لشيخ أو آفة فتوبته الندم واعتقاد الترك أن لو كانت قدرة، وأما من لم يواقع ذنبا فتوبته العزم على ترك كل ذنب والتوبة من ذنب تصح مع الإقامة على غيره وهي توبة مقيدة، وإذا تاب المرء ثم عاود الذنب بعد مدة فيحتمل عند حذاق أهل السنة أن لا يعيد الله تعالى عليه الذنب الأول لأن التوبة قد كانت مجبة، ويحتمل أن يعيده لأنها توبة لم يواف بها، واضطرب الناس في قوله ثُمَّ اهْتَدى من حيث