للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى قال موسى مخاطبا للسامري فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ، وقوله «ما خطبك» كما تقول ما شأنك وما أمرك، لكن لفظة الخطب تقتضي انتهارا لأن الخطب مستعمل في المكاره فكأنه قال ما نحسك وما شؤمك وما هذا الخطب الذي جاء من قبلك، و «السامري» قيل هو منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل، وقيل هو منسوب إلى قرية يقال لها سامرة ع وهي معروفة اليوم ببلاد مصر، وقيل اسمه موسى بن ظفر.

وقرأت فرقة «بصرت» بضم الصاد على معنى صارت بصيرتي بصورة ما فهو كطرفت وشرفت، وقرأت فرقة «بصرت» بكسر الصاد، فيحتمل أن يراد من البصيرة ويحتمل أن يراد من البصر وذلك أن في أمر السامري ما زاده على الناس بالبصر وهو وجه جبريل عليه السلام وفرسه وبالبصيرة وهو ما علمه من أن القبضة إذا نبذها مع الحلي جاءه من ذلك ما يريد، وقرأ الجمهور «يبصروا» بالياء يريد بني إسرائيل، وقرأ حمزة والكسائي «تبصروا» بالتاء من فوق يريد موسى مع بني إسرائيل، وقرأ الجمهور «فقبضت قبضة» بالضاد منقوطة بمعنى أخذت بكفي مع الأصابع، وقرأ ابن مسعود وابن الزبير وأبي بن كعب وغيرهم «فقبصت قبصة» بالصاد غير منقوطة بمعنى أخذت بأصابعي فقط، وقرأ الحسن بخلاف عنه «قبضة» بضم القاف. و «الرسول» جبريل عليه السلام، و «الأثر» هو تراب تحت حافر فرسه، وسبب معرفة السامري بجبريل وميزه له فيما روي أن السامري ولدته أمه عام الذبح فطرحته في مغارة فكان جبريل عليه السلام يغذوه ويحميه حتى كبر وشب فميزه بذلك.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف. وقوله فَنَبَذْتُها أي على الحلي فكان منها ما تراه وهذا محذوف من اللفظ تقتضيه الحال والمخاطبة، ثم قال وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي وكما حدث ووقع قويت لي نفسي وجعلته لي سولا وإربا حتى فعلته، وكان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلا في حد أو وحي فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر بني إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يواكلوا ولا يناكحوا ونحو هذا، وعلمه مع ذلك وجعل له أن يقول مدة حياته لا مِساسَ أي لا مماسة ولا إذاية. وقرأ الجمهور «لا مساس» بكسر الميم وفتح السين على النصب بالتبرئة وهو اسم يتصرف ومنه قول النابغة: [المتقارب]

فأصبح من ذاك كالسامري، ... إذ قال موسى له لا مساسا

ومنه قول رؤبة: [الرجز] حتى يقول الأزد لا مساسا واستعماله على هذا كثير. وقرأ أبو حيوة «لا مساس» بفتح الميم وكسر السين وهو معدول عن المصدر كفجار ونحوه، وشبهه أبو عبيدة وغيره بنزال ودراك ونحوه والشبه صحيح من حيث هي معدولات

<<  <  ج: ص:  >  >>