المعنى فظهر لهم ما قال إبراهيم من أن الأصنام التي قد أهلوها للعبادة ينبغي أن تسأل وتستفسر «فقالوا إنكم الظالمون» في توقيف هذا الرجل على هذا الفعل وأنتم معكم من تسألون، ثم ارتكبوا في ضلالهم ورأوا بالفكرة وبديهة العقل أن الأصنام لا تنطق فسامهم ذلك حتى نطقوا عنه إلى موضع قيام الحجة عليهم، وقوله تعالى: نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ استعارة للذي يرتطم في غيه كأنه منكوس رأسه فهي أقبح هيئة للإنسان وكذلك هذا هو في أسوأ حالات النظر فقالوا لإبراهيم حين نكسوا في حيرتهم لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ أي فما بالك تدعو إلى ذلك فوجد إبراهيم عليه السلام عند هذه المقالة موضع الحجة ووقفهم موبخا على عبادتهم تماثيل لا تنفع بذاتها ولا تضر ثم حقر شأنها وأزرى بها في قوله أُفٍّ لَكُمْ وقرأ ابن كثير «أفّ لكم» بالفتح، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر «أف لكم» بالكسر وترك التنوين فيهما، وقرأ نافع وحفص عن عاصم «أفّ» بالكسر والتنوين وأُفٍّ لفظة تقال عند المستقذرات من الأشياء فيستعار ذلك للمكروه من المعاني كهذا وغيره فلما غلبهم إبراهيم عليه السلام من جهة النظر والحجة نكسوا رؤوسهم وأخذتهم عزة بإثم وانصرفوا إلى طريق الغشم والغلبة ف قالُوا حَرِّقُوهُ وروي أن قائل هذه المقالة هو رجل من الأكراد من أعراب فارس أي من باديتها فخسف الله تعالى به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ تحريض كما تقول أعزم على كذا إن كنت عازما، وروي أنهم لما أجمع رأيهم على تحريقه حبسه نمرود الملك وأمر بجمع الحطب فجمع في مدة أشهر وكان المريض يجعل على نفسه نذرا إن هو برىء أن يجمع كذا وكذا حزمة حتى اجتمع من الحطب مما تبرع به الناس ومما جلب الملك من أهل الرساتيق كالجبل من الحطب ثم أضرم نارا فلما أرادوا طرح إبراهيم فيه لم يقدروا على القرب منه، فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال لهم أنا أصنع لكم آلة يلقى بها في النار، فعلمهم صنعة المنجنيق، ثم أخرج إبراهيم عليه السلام فشد رباطا ووضع في كفه المنجنيق ورمي به فوقع في النار وقد قيل لها كُونِي بَرْداً وَسَلاماً فاحترق الحبل الذي ربط به فقط.
وروي أن جبريل عليه السلام جاءه وهو في الهواء فقال له ألك حاجة فيروى أنه قال له أما إليك فلا.
ويروى أنه قال له إني خليل وإنما أطلب حاجتي من خليلي لا من رسوله فقال الله تعالى: يا إبراهيم قطعت الواسطة بيني وبينك لأقطعنها بيني وبين النار، يا نار.
وروي أنه حين خوطبت النار خمدت كل نار في الأرض.
وروي أن الغراب كان ينقل الحطب إلى نار إبراهيم.
وروي أن الوزغة كانت تنفخ عليه لتضرم وكذلك البغل.
وروي أن العضرفوط والخطافة والضفدع كانوا ينقلون الماء لتطفأ النار فأبقى الله على هذه الوقاية وسلط الله على تلك الأخرى النوائب والأيدي وقال بعض العلماء إن الله تعالى لو لم يقل وَسَلاماً لهلك إبراهيم من برد النار.
قال القاضي أبو محمد: وقد أكثر الناس في قصص حرق إبراهيم وذكروا تحديد مدة بقائه في النار