المعنى قُلْ يا محمد إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ عذاب ليس إلي أن أعجل عذابا ولا أن أؤخره عن وقته، ثم قسم حالة المؤمنين والكافرين بأن للمؤمنين سترة ذنوبهم ورزقه إياهم في الجنة، و «الكريم» صفة نفي المذام، كما تقول ثوب كريم، وأن للكافرين المعاجزين عذاب الْجَحِيمِ وهذا كله مما أمره أن يقوله، أي هذا معنى رسالتي لا ما تتمنون أنتم، وقوله سَعَوْا معناه تحيلوا وكادوا من السعاية، و «الآيات» :
القرآن، أو كادوه بالتكذيب وسائر أقوالهم، وقرأت فرقة، «معاجزين» ، ومعناه مغالبين كأنهم طلبوا عجز صاحب الآيات والآيات تقتضي تعجيزهم فصارت مفاعلة، وعبر بعض الناس في تفسير مُعاجِزِينَ بظانين أنهم يفلتون الله وهذا تفسير خارج عن اللفظة، وقرأت فرقة «معجّزين» بغير ألف وبشد الجيم ومعناه معجزين الناس أي جاعلوهم بالتثبيط عجزة عن الإيمان وقال أبو علي: «معجزين» ناسبين أصحاب النبي إلى العجز كما تقول فسّقت فلانا وزنيته إذا نسبته إلى ذلك، وقوله وَما أَرْسَلْنا الآية تسلية للنبي عليه السلام عن النازلة التي ألقى الشيطان فيها في أمنية النبي عليه السلام، وتَمَنَّى معناه المشهور أراد وأحب، وقالت فرقة هو معناها في الآية، والمراد أن الشيطان ألقى ألفاظه بسبب ما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقاربة قومه وكونهم متبعين له قالوا: فلما تمنى رسول الله من ذلك ما لم يقضه الله وجد الشيطان السبيل، فحين قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم في مسجد مكة وقد حضر المسلمون والمشركون بلغ إلى قوله أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [النجم: ٢٠] ألقى الشيطان تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترجى قال الكفار هذا محمد يذكر آلهتنا بما نريد وفرحوا بذلك، فلما انتهى إلى السجدة سجد الناس أجمعون إلا أمية بن خلف فإنه أخذ قبضة من تراب ثم رفعها إلى جبهته وقال يكفيني هذا، قال البخاري: هو أمية بن خلف، وقال بعض الناس: هو الوليد بن المغيرة، وقال بعض الناس: هو أبو أحيحة سعيد بن العاصي ثم اتصل بمهاجرة الحبشة أن أهل مكة اتبعوا محمدا ففرحوا بذلك وأقبل بعضهم فوجد ألقية الشيطان قد نسخت وأهل مكة قد ارتبكوا وافتتنوا، وقالت فرقة تَمَنَّى معناه تلا والأمنية التلاوة ومنه قول الشاعر:[الطويل]
تمنى كتاب الله أول ليلة ... وآخرها لاقى حمام المقادر
ومنه قول الآخر:[الطويل]«تمنى داود الزبور على رسل» وتأولوا قوله تعالى «إلا أماني» أي إلا تلاوة، وقالت هذه الفرقة في معنى سبب «إلقاء الشيطان» في تلاوة النبي عليه السلام ما تقدم آنفا من ذكر الله.