للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعراق وما والاه، وقال ابن مسعود لأهل الكوفة: أنتم بين الحيرة وبابل، وقال قتادة: هي من نصيبين إلى رأس العين، وقال قوم: هي بالمغرب.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وقال قوم: هي جبل دماوند، وهارُوتَ وَمارُوتَ بدل من الْمَلَكَيْنِ على قول من قال: هما ملكان، ومن قرأ «ملكين» بكسر اللام وجعلهما داود وسليمان أو جعل الملكين جبريل وميكائل، جعل هارُوتَ وَمارُوتَ بدلا من الشَّياطِينُ في قوله وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا، وقال هما شيطانان، ويجيء يُعَلِّمُونَ: إما على أن الاثنين جمع، وإما على تقدير أتباع لهذين الشيطانين اللذين هما الرأس، ومن قال كانا علجين قال: هارُوتَ وَمارُوتَ بدل من قوله الْمَلَكَيْنِ، وقيل هما بدل من النَّاسَ في قوله يُعَلِّمُونَ النَّاسَ، وقرأ الزهري هارُوتَ وَمارُوتَ بالرفع، ووجهه البدل من الشَّياطِينُ في قوله تَتْلُوا الشَّياطِينُ أو من الشَّياطِينُ الثاني على قراءة من خفف «لكن» ورفع، أو على خبر ابتداء مضمر تقديره هما هارُوتَ وَمارُوتَ.

وروى من قال إنهما ملكان أن الملائكة مقتت حكام بني إسرائيل وزعمت أنها لو كانت بمثابتهم من البعد عن الله لأطاعت حق الطاعة، فقال الله لهم: اختاروا ملكين يحكمان بين الناس، فاختاروا هاروت وماروت، فكانا يحكمان، فاختصمت إليهما امرأة ففتنا بها فراوداها، فأبت حتى يشربا الخمر ويقتلا، ففعلا، وسألتهما عن الاسم الذي يصعدان به إلى السماء فعلماها إياه، فتكلمت به فعرجت، فمسخت كوكبا فهي الزهرة، وكان ابن عمر يلعنها.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله ضعيف وبعيد على ابن عمر رضي الله عنهما، وروي أن الزهرة نزلت إليهما في صورة امرأة من فارس فجرى لهما ما ذكر، فأطلع الله عز وجل الملائكة على ما كان من هاروت وماروت، فتعجبوا، وبقيا في الأرض لأنهما خيّرا بين عذاب الآخرة وعذاب الدنيا فاختارا عذاب الدنيا، فهما في سرب من الأرض معلقين يصفقان بأجنحتهما، وروت طائفة أنهما يعلمان السحر في موضعهما ذلك، وأخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا له: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القصص يزيد في بعض الروايات وينقص في بعض، ولا يقطع منه بشيء، فلذلك اختصرته.

ذكر ابن الأعرابي في الياقوتة أن يُعَلِّمانِ بمعنى يعلمان ويشعران كما قال كعب بن زهير [الطويل] .

تعلّم رسول الله أنّك مدركي ... وأنّ وعيدا منك كالأخذ باليد

وحمل هذه الآية على أن الملكين إنما نزلا يعلمان الناس بالسحر وينهيان عنه، وقال الجمهور: بل التعليم على عرفه، و «لا تكفر» قالت فرقة: بتعلم السحر، وقالت فرقة: باستعماله، وحكى المهدوي أن قولهما: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ استهزاء، لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا ضلاله، ومِنْ في قوله مِنْ أَحَدٍ زائدة بعد النفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>