الرفع، وإن كان القياس عند سيبويه النصب، وأما الفراء والمبرد والزجاج فإن الرفع عندهم هو الأوجه والخبر في قوله فَاجْلِدُوا لأن المعنى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي مجلودان بحكم الله تعالى وهذا قول جيد وهو قول أكثر النحاة، وإن شئت قدرت الخبر ينبغي أن يجلدا، وقرأ ابن مسعود «والزان» بغير ياء، وقدمت الزَّانِيَةُ في اللفظ من حيث كان في ذلك الزمن زنى النساء أفشى وكان لأمراء العرب وبغايا الوقت رايات وكن مجاهرات بذلك وإذا العار بالنساء ألحق إذ موضعهن الحجبة والصيانة، فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما، والألف واللام في قوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي للجنس وذلك يعطي أنها عامة في جميع الزناة وهذه الآية باتفاق ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة النساء، وجماعة العلماء على عموم هذه الآية وأن حكم المحصنين منسوخ منها، واختلفوا في الناسخ فقالت فرقة الناسخ السنة المتواترة في الرجم، وقالت فرقة بل القرآن الذي ارتفع لفظه وبقي حكمه وهو الذي قرأه عمر في المنبر بمحضر الصحابة:«الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» ، وقال إنا قرأناه في كتاب الله، واتفق الجميع على أن لفظه رفع وبقي حكمه، وقال الحسن بن أبي الحسن وابن راهويه ليس في هذه الآية نسخ بل سنة الرجم جاءت بزيادة، فالمحصن، على رأي هذه الفرقة يجلد ثم يرجم، وهو قول علي بن أبي طالب وفعله بشراحة ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم «والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» ، ويرد عليهم فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث رجم ولم يجلد، وبه قال جمهور الأمة إذ فعله كقوله رفع الجلد عن المحصن وقال ابن سلام وغيره هذه الآية خاصة في البكرين.
قال الفقيه الإمام القاضي: لأنه لم يبق من هذا حكمه إلا البكران واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» ، وبقوله «على ابنك جلد مائة» ، واستدلوا على أنها غير عامة بخروج الإماء والعبيد وغيرهم منها، وقد تقدم بسط كثير من هذه المعاني في سورة النساء، و «الجلد» يكون والمجلود قاعد، عند مالك ولا يجزىء عنده إلا في في الظهر، وأصحاب الرأي والشافعي يرون أن يجلد الرجل وهو واقف وهو قول علي بن أبي طالب ويفرق الضرب على كل الأعضاء، وأشار ابن عمر بالضرب إلى رجلي أمة جلدها في الزنى والإجماع في تسليم الوجه والعورة والمقاتل، ويترجح قول مالك رحمه الله بقول النبي صلى الله عليه وسلم «البينة أو حد في ظهرك» ، وقول عمر: أو لأوجعن مثناك، ويعرى الرجل عند مالك والنخعي وأبي عبيدة بن الجراح وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي وغيرهم يرون أن يضرب على قميص وهو قول عثمان وابن مسعود أيضا، وأما المرأة فتستر قولا واحدا، وقرأ الجمهور «رأفة» همزة ساكنة على وزن فعلة، وقرأ ابن كثير «رأفة» على وزن فعله بفتح العين، وقرأ عاصم أيضا «رأفة» على وزن فعالة كسآمة وكآبة، وهذه مصادر أشهرها الأولى من رأف إذا أرق ورحم، وقرأ الجمهور «تأخذكم» بالتاء من فوق، وقرأ أبو عبد الرحمن «يأخذكم» بالياء من تحت واختلف الناس في الرأفة المنهي عنها فيم هي فقال أبو مجلز ولا حق بن حميد ومجاهد وعكرمة وعطاء هي في إسقاط الحد أي أقيموه، ولا بد وهذا تأويل ابن عمر وابن جبير وغيرهما ومن رأيهم أن الضرب في الزنا والفرية والخمر على نحو واحد، وقال قتادة وابن المسيب وغيرهما «الرأفة» المنهي عنها هي في تخفيف الضرب عن الزناة، ومن رأيهم أن يخفف ضرب الخمر والفرية، ويشتد ضرب الزنا، وقال سليمان بن يسار