للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلام له نور ومنه الكتاب المنير ومنه قول الشاعر: [الكامل]

نسب كأن عليه من شمس الضحى ... نورا ومن فلق الصباح عمودا

والله تعالى ليس كمثله شيء فبين أنه ليس كالأضواء المدركة ولم يبق للآية معنى إلا أنه أراد اللَّهُ ذو نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي بقدرته أنارت أضواؤها واستقامت أمورها وقامت مصنوعاتها، فالكلام على التقريب للذهن، كما تقول الملك نور الأمة أي به قوام أمورها وصلاح جملتها، والأمر في الملك مجاز وهو في صفة الله تعالى حقيقة محضة، إذ هو الذي أبدع الموجودات وخلق العقل نورا هاديا لأن ظهور الوجود به حصل كما حصل بالضوء ظهور المبصرات تبارك الله لا رب سواه، وقالت فرقة التقدير دين الله نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، قال ابن عباس هادي أهل السماوات والأرض والأول أعم للمعاني وأوضح مع التأمل، وقرأ عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وأبو عبد الرحمن السلمي الله «نوّر» بفتح النون والواو المشددة وفتح الراء على أنه فعل، وروي أن اليهود لما نزلت هذه الآية جسموا في تأويلها واعترضوا محمدا عليه السلام بأن قالوا كيف هو نور الأرض والسماء بيننا وبينه، فنزلت حينئذ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ الآية أي ليس الأمر كما ظننتم وإنما هو نور بأنه قوام كل شيء وخالقه وموجده مَثَلُ نُورِهِ كذا وكذا، واختلف المتأولون في الضمير في نُورِهِ على من يعود، فقال كعب الأحبار وابن جبير هو عائد على محمد عليه السلام أي مثل نور محمد، وقال أبي بن كعب وابن جبير والضحاك هو عائد على المؤمنين، وفي قراءة أبي بن كعب «مثل نور المؤمنين» ، وروي أن في قراءته «نور المؤمن» ، وروي أن فيها «مثل نور من آمن به» ، وقال الحسن هو عائد على القرآن والإيمان، قال مكي بن أبي طالب وعلى هذه الأقوال يوقف على قوله وَالْأَرْضِ.

قال القاضي أبو محمد: وهذه أقوال فيها عود الضمير على من لم يجر له ذكر، وفيها تقطع المعنى المراد بالآية، وقالت فرقة الضمير في نُورِهِ عائد على اللَّهُ، ثم اختلفت هذه الفرقة في المراد ب «النور» الذي أضيف إلى الله تعالى إضافة خلق إلى خالق كما تقول سماء الله وناقة الله، فقال بعضها هو محمد، وقال بعضها هو المؤمن، وقال بعضها هو الإيمان والقرآن، وهذه الأقوال متجهة مطرد معها المعنى فكأن اليهود لما تأولوا اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بمعنى الضوء، قيل لهم ليس كذلك وإنما هو نور فإنه قوام كل شيء وهاديه مثل نوره في محمد أو في القرآن، والإيمان كَمِشْكاةٍ وهي الكوة غير النافذة فيها القنديل ونحوه.

وهذه الأقوال الثلاثة تطرد فيها مقابلة جزء من المثال لجزء من الممثل، فعلى قول من قال الممثل به محمد عليه السلام، وهو قول كعب الحبر، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، هو «المشكاة» أو صدره، والْمِصْباحُ هو النبوءة وما يتصل بها من عمله وهداه، والزُّجاجَةُ قلبه و «الشجرة المباركة» هي الوحي والملائكة رسل إليه وسببه المتصل به، والزيت هو الحجج والبراهين، والآيات التي تضمنها الوحي، وعلى قول من قال الممثل به المؤمن وهذا قول أبي بن كعب، ف «المشكاة» صدره، والْمِصْباحُ الإيمان والعلم، والزُّجاجَةُ قلبه و «الشجرة» القرآن، وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها، قال أبي فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>