الزهراوي إن أهل هذه الأعذار تحرجوا في الأكل مع الناس لأجل عذرهم فنزلت الآية مبيحة لهن، وقال ابن عباس أيضا الآية من أولها إلى آخرها إنما نزلت بسبب أن الناس، لما نزلت وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [البقرة: ١٨٨] قالوا لا مال أعز من الطعام وتحرجوا من أن يأكل أحد مع هؤلاء فيغبنهم في الأكل فيقع في أكل المال بالباطل، وكذلك تحرجوا عن أكل طعام القرابات لذلك فنزلت الآية مبيحة جميع هذه المطاعم ومبينة تلك إنما هي في التعدي والقمار وكل ما يأكله المرء من مال الغير والغير كاره أو بصفة فاسدة ونحوه، وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قوله في الأصناف الثلاثة إنما نزلت بسبب أن الناس كانوا إذا نهضوا إلى الغزو، خلفوا أهل العذر في منازلهم وأموالهم، فكان أهل العذر يتجنبون أكل مال الغائب، فنزلت الآية مبيحة لهم أكل الحاجة من طعام الغائب إذا كان الغائب قد بنى على ذلك، وقيل كان الرجل إذا ساق أهل العذر إلى بيته فلم يجد فيه شيئا ذهب بهم إلى بيت قرابته فتحرج أهل الأعذار من ذلك، فنزلت الآية وذكر الله تعالى بيوت القرابات وسقط منها بيوت الأبناء، فقال المفسرون ذلك داخل في قوله مِنْ بُيُوتِكُمْ لأن بيت ابن الرجل بيته، وقرأ طلحة بن مصرف «إمهاتكم» بكسر الهمزة وقوله: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ يعني ما حزتم وصار في قبضتكم، فعظمه ما ملكه الرجل في بيته وتحت غلقه وذلك هو تأويل الضحاك ومجاهد، وعند جمهور المفسرين يدخل في الآية الوكلاء والعبيد والأجراء بالمعروف، وقرأ جمهور الناس «ملكتم» بفتح الميم واللام، وقرأ سعيد بن جبير «ملّكتم» بضم الميم وكسر اللام وشدها، وقرأ جمهور الناس «مفاتحه» ، وقرأ سعيد بن جبير «مفاتيحه» بياء بين التاء والحاء الأولى على جمع مفتح والثانية على جمع مفتاح، وقرأ قتادة «ملكتم مفاتحه» وقرن تعالى في هذه الآية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة لأن قرب المودة لصيق، قال معمر: قلت لقتادة ألا أشرب من هذا الجب؟ قال أنت لي صديق فما هذا الاستئذان؟ قال ابن عباس في كتاب النقاش الصديق أوكد من القرابة، ألا ترى إلى استغاثة الجهنميين فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء: ١٠٠] وقوله لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً رد لمذهب جماعة من العرب كانت لا تأكل أفرادا البتة، قاله الطبري، ومن ذلك قول بعض الشعراء:[الطويل]
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإني لست آكله وحدي
وكان بعض العرب إذا كان له ضيف لا يأكل إلا أن يأكل مع ضيفه فنزلت هذه الآية مبينة سنة الأكل ومذهبة كل ما خلفها من سنة العرب، ومبيحة من أكل المنفرد ما كان عند العرب محرما نحت به نحو كرم الخلق فأفرطت في إلزامه وأن إحضار الأكيل لحسن ولكن بأن لا يحرم الانفراد، وقال بعض أهل العلم هذه الآية منسوخة بقوله عليه السلام:«إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» وبقوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور: ٢٧] وبقوله عليه السلام من حديث ابن عمر «لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه» الحديث، ثم ختم الله تعالى الآية بتبيينه سنة السلام في البيوت، واختلف المتأولون في أي البيوت أراد، فقال إبراهيم النخعي أراد المساجد، والمعنى سلموا على
من فيها من صنفكم فهذا كما قال لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: ١٢٨] فإن لم يكن في المساجد أحد فالسلام أن يقول المرء السلام على رسول الله وقيل السلام عليكم يريد الملائكة ثم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قوله