وقيل إنما تركها له لأنه أمر موسى بتركها، فأبى موسى ذلك فقال له شعيب: نمد إليها جميعا فمن طاوعته فهي له، فمد إليها شعيب يده فثقلت، ومد إليها موسى فخفت ووثبت إليه، فعلما أن هذا من الترشيح، وقال عكرمة: إن عصا موسى إنما دفعها إليه جبريل ليلا عند توجهه إلى مدين، وقوله تعالى فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ، قال سعيد بن جبير سألني رجل من النصارى أي الأجلين قضى موسى، فقلت لا أدري حتى أقدم على حبر العرب أعني ابن عباس، فقدمت عليه فسألته، فقال قضى أكملهما وأوفاهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال وفى فعدت فأعلمت النصراني، فقال صدق هذا والله العالم، وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ذلك جبريل فأخبره أنه قضى عشر سنين، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قضى عشرا وعشرا بعدها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف وفي قصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما قضى الأجل أراد أن يسير بأهله إلى مصر بلده وقومه وقد كان لا محالة أحس بالترشيح للنبوءة فسار وكان رجلا غيورا لا يصحب الرفاق، فلما جاء في بعض طريقه في ليلة مظلمة مردة حرة قال النقاش كانت ليلة جمعة فقدوا النار وأصلد الزند وضلوا الطريق واشتد عليهم الخصر، فبينا هو كذلك إذ رأى نارا وكان ذلك نورا من الله تعالى قد التبس بشجرة قال وهب كانت عليقا وقال قتادة عوسجا.
وقيل زعرورا، وقيل سمرة، قاله ابن مسعود و «آنس» معناه أحس والإحساس هنا بالبصر ومن هذه اللفظة قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء: ٦] ومنها قول حسان: [المنسرح]
انظر خليلي بباب جلق هل ت ... ونس دون البلقاء من أحد
وكان هذا الأمر كله في جانِبِ الطُّورِ وهو جبل معروف بالشام، والطُّورِ كل جبل، وخصصه قوم بأنه الذي لا ينبت فلما رأى موسى النار سر فقال لأهله أقيموا فقد رأيت نارا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ عن الطريق أين هو أَوْ جَذْوَةٍ وهي القطعة من النار في قطعة عود كبيرة لا لهب لها إنما هي جمرة ومن ذلك قول الشاعر [ابن مقبل] : [البسيط]
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوار ولا دعر
قال القاضي أبو محمد: وأحسب أن أصل «الجذوة» أصول الشجر وأهل البوادي أبدا يوقدونها، فتلك هي الجذوة حقيقة، ومنه قول السلمي يصف الصلى:[الطويل]
حمى حب هذا النار حب خليلتي ... وحب الغواني فهي دون الحبائب
وبدلت بعد البان والمسك شقوة ... دخان الجذا في رأس أشحط شاحب
وقرأ الجمهور «جذوة» بكسر الجيم، وقرأ حمزة والأعمش «جذوة» بضمها، وقرأ عاصم «جذوة» بفتحها، وهي لغات والصلى حر النار، وتَصْطَلُونَ تفتعلون منه أبدلت التاء طاء، فلما أتى موسى عليه السلام ذلك الضوء الذي رآه وهو في تلك الليلة ابن أربعين سنة نبىء عليه السلام، فروي أنه كان يمشي إلى ذلك النور فكان يبعد منه تمشي به الشجرة وهي خضراء غضة حتى نُودِيَ، و «الشاطئ» والشط ضفة