وأمضى فيه، وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد.
والأمر واحد الأمور، وليس هنا بمصدر أمر يأمر، ويكون رفع على الاستئناف، قال سيبويه:«معناه فهو يكون» ، قال غيره:«يكون» عطف على «يقول» ، واختاره الطبري وقرره، وهو خطأ من جهة المعنى، لأنه يقتضي أن القول مع التكوين والوجود، وتكلم أبو علي الفارسي في هذه المسألة بما هو فاسد من جملة الاعتزال لا من جهة العربية.
وقرأ ابن عامر «فيكون» بالنصب، وضعفه أبو علي، ووجهه مع ضعفه على أن يشفع له شبه اللفظ، وقال أحمد بن موسى في قراءة ابن عامر:«هذا لحن» .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: لأن الفاء لا تعمل في جواب الأمر إلا إذا كانا فعلين يطرد فيهما معنى الشرط، تقول أكرم زيدا فيكرمك، والمعنى إن تكرم زيدا يكرمك، وفي هذه الآية لا يتجه هذا، لأنه يجيء تقديره: إن تكن يكن، ولا معنى لهذا، والذي يطرد فيه معنى الشرط هو أن يختلف الفاعلان أو الفعلان فالأول أكرم زيدا فيكرمك والثاني أكرم زيدا فتسود.
وتلخيص المعتقد في هذه الآية، أن الله عز وجل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها، قادرا مع تأخر المقدورات، عالما مع تأخر وقوع المعلومات، فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال، فهو بحسب المأمورات، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن، وكل ما يستند إلى الله تعالى من قدرة وعلم وأمر فهو قديم لم يزل، ومن جعل من المفسرين قَضى بمعنى أمضى عند الخلق والإيجاد، فكأن إظهار المخترعات في أوقاتها المؤجلة قول لها كُنْ، إذ التأمل يقتضي ذلك، على نحو قول الشاعر [أبو النجم العجلي] : [الرجز] وقالت الأقراب للبطن الحق قال القاضي أبو محمد: وهذا كله يجري مع قول المعتزلة، والمعنى الذي تقتضيه عبارة كُنْ هو قديم قائم بالذات، والوضوح التام في هذه المسألة يحتاج أكثر من هذا البسط.
وقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الآية، قال الربيع والسدي: هم كفار العرب.
قال القاضي أبو محمد: وقد طلب عبد الله بن أبي أمية وغيره من النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، فنفى عنهم العلم لأنهم لا كتاب عندهم ولا اتباع نبوة، وقال مجاهد: هم النصارى لأنهم المذكورون في الآية أولا، ورجحه الطبري، وقال ابن عباس: المراد من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، لأن رافع بن حريملة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أسمعنا كلام الله، وقيل: الإشارة بقوله لا يَعْلَمُونَ إلى جميع هذه الوظائف، لأن كلهم قال هذه المقالة أو نحوها، ويكون الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، ولَوْلا تحضيض بمعنى هلا، كما قال الأشهب بن رميلة «١» : [الطويل]
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لولا الكميّ المقنعا
وليست هذه لَوْلا التي تعطي منع الشيء لوجوب غيره، وفرق بينهما أنها في التحضيض لا يليها