ظاهر هذه الآية معناه الخصوص، واختلف المتأولون في هذا الخصوص أين هو، فقال ابن عباس وقتادة: هو في القنت والطاعة وذلك أن جميع من يعقل هو قانت لله في معظم الأمور من الحياة والموت والرزق والقدرة ونحو ذلك، وبعضهم يبخل بالعبادة وبالمعتقدات فلا يقنت فيها فكأنه قال كل له قانتون في معظم الأمور وفي غالب الشأن، وقال ابن زيد ما معناه: إن الخصوص هو في الأعيان المذكورين كأنه قال وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من ملك ومؤمن، وقوله يَبْدَؤُا الْخَلْقَ معناه ينشئه ويخرجه من العدم، وجاء الفعل بصيغة الحال لما كان في هذا المعنى ما قد مضى كآدم وسائر القرون وفيه ما يأتي في المستقبل، فكانت صيغة الحال تعطي هذا كله، ويُعِيدُهُ معناه يبعثه من القبور وينشئه تارة أخرى، واختلف المتأولون في قوله وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، فقال ابن عباس والربيع بن خيثم: المعنى وهو هين ونظيره قول الشاعر: (لعمرك ما أدري وأني لأوجل) بمعنى لوجل، وقول الآخر (بيت دعائمه أعز وأطول) ، وقولهم في الأذان الله أكبر وقال الآخر وهو الشافعي:
فتلك سبيل لست فيها بأوحد واستشهد بهذا البيت أبو عبيدة وهذا شاهده كثير، وفي مصحف ابن مسعود «وهو هين عليه» ، وفي بعض المصاحف و «كل هين عليه» ، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وعكرمة: المعنى وهو أيسر عليه، وإن كان الكل من اليسر عليه في حيز واحد وحال متماثلة، ولكن هذا التفضيل بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في الشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون علينا من البداءة للتمرن والاستغناء عن الروية التي كانت في البدأة، وهذان القولان الضمير فيهما عائد على الله تعالى، وقالت فرقة أخرى: الضمير في عَلَيْهِ عائد على الخلق.
قال الفقيه الإمام القاضي: فهذا بمعنى المخلوق فقط، وعلى التأويلين الأولين يصح أن يكون المخلوق أو يكون مصدرا من خلق، فقال الحسن بن أبي الحسن إن الإعادة أهون على المخلوق من إنشائه لأنه في إنشائه يصير من حالة إلى حالة، من نطفة إلى علقة إلى مضغة ونحو هذا، وفي الإعادة إنما يقوم في حين واحد، فكأنه قال وهو أيسر عليه، أي أقصر مدة وأقل انتقالا، وقال بعضها: المعنى «وهو أهون» على المخلوق أن يعيد شيئا بعد إنشائه، أي فهذا عرف المخلوقين فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق.
قال الفقيه الإمام القاضي: والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى ويؤيده قوله تعالى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى لما جاء بلفظ فيه استعارة واستشهاد بالمخلوق على الخالق وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم خلص جانب العظمة بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يتصل به تكييف ولا تماثل مع شيء و «العزة والحكمة» ، صفتان موافقتان لمعنى الآية، فبهما يعيد وينفذ أمره في عباده كيف شاء، ثم بين تعالى أمر الأصنام وفساد معتقد من يشركها بالله بضربه هذا المثل، ومعناه أنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيد تملكونهم فإنكم لا تشركونهم في أموالكم ومهمّ أموركم، ولا في شيء على جهة استواء المنزلة، وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم أو يقاسموكم إياها في حياتكم كما يفعل بعضكم ببعض فإذا كان هذا فيكم فكيف تقولون إن من عبيده وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته، وتثبتون في جانبه ما لا يليق بكم