بين أنه إنما يريدها لزيد بن حارثة كرهت وأبت فنزلت الآية فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته، وقال ابن زيد إنما نزلت بسبب أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. فزوجها من زيد بن حارثة، فكرهت ذلك هي وأخوها، وقالا إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا غيره، فنزلت الآية بسبب ذلك، فأجابا إلى تزويج زيد، والْخِيَرَةُ مصدر بمعنى التخير، وهذه الآية في ضمن قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: ٦] وهذه الآية تقوى في قوله تعالى:
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص: ٦٨] أن تكون ما نافية لا مفعولة، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر وشيبة والأعرج وعيسى «أن تكون» بالتاء على لفظ الْخِيَرَةُ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي والأعمش وأبو عبد الرحمن «أن يكون» على معنى الْخِيَرَةُ وأن تأنيثها غير حقيقي، وقوله في الآية الأخرى ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص: ٦٨] دون علامة تأنيث يقوي هذه القراءة التي بالياء، ثم توعد عز وجل وأخبر أن مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ، وهذا العصيان يعم الكفر فما دونه، وكل عاص يأخذ من الضلال بقدر معصيته، ثم عاتب تعالى نبيه بقوله: وَإِذْ تَقُولُ الآية، واختلف الناس في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين منهم الطبري وغيره إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب وهي في عصمة زيد وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له: اتق الله فيما تقول عنها وأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها وهذا هو الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف، وقالوا خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالة الناس في ذلك فعاتبه الله تعالى على جميع هذا، وقرأ ابن أبي عبلة «ما الله مظهره» ، وقال الحسن: ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أشد عليه من هذه الآية، وقال هو وعائشة: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه، وروى ابن زيد في نحو هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب زيدا في داره فلم يجده ورأى زينب حاسرة فأعجبته فقال سبحان الله مقلب القلوب.
قال القاضي أبو محمد: وروي في هذه القصة أشياء يطول ذكرها، وهذا الذي ذكرناه مستوف لمعانيها، وذهب قوم من المتأولين إلى أن الآية لا كبير عتب فيها، ورووا عن علي بن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله إليه أن زيدا يطلق زينب وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها له، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب وأنها لا تطيعه وأعلمه بأنه يريد طلاقها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية:«اتق الله» أي في أقوالك و «أمسك عليك زوجك» وهو يعلم أنه سيفارقها وهذا هو الذي أخفى في نفسه ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم من أنه سيتزوجها، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أمره بطلاقها فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في أمر قد أباحه الله تعالى له وإن قال أَمْسِكْ مع علمه أنه يطلق وأعلمه أن الله أحق بالخشية أي في كل حال، وقوله: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ يعني بالإسلام وغير ذلك، وقوله: وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ يعني بالعتق وهو زيد بن حارثة، وزينب هي بنت جحش،