نظر، ويجوز أن تكون «أن» مفسرة لا موضع لها من الإعراب، والحمل منع الشيء أن يذهب سفلا، وذكر الذرية لضعفهم عن السفر فالنعمة فيهم أمكن، وقرأ نافع وابن عامر والأعمش «ذرياتهم» بالجمع، وقرأ الباقون «ذريتهم» بالإفراد، وهي قراءة طليحة وعيسى، والضمير المتصل بالذريات هو ضمير الجنس، كأنه قال ذريات جنسهم أو نوعهم هذا أصح ما اتجه في هذا، وخلط بعض الناس في هذا حتى قالوا الذرية تقع على الآباء وهذا لا يعرف لغة، وأما معنى الآية فيحتمل تأويلين: أحدهما قاله ابن عباس وجماعة، وهو أن يريد ب «الذريات المحمولين» أصحاب نوح في السفينة، ويريد بقوله مِنْ مِثْلِهِ السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة، وإياها أراد الله تعالى بقوله وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ، والتأويل الثاني قاله مجاهد والسدي وروي عن ابن عباس أيضا هو أن يريد بقوله أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ السفن الموجودة في بني آدم إلى يوم القيامة ويريد بقوله وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ الإبل وسائر ما يركب فتكون المماثلة في أنه مركوب مبلغ إلى الأقطار فقط، ويعود قوله وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ على السفن الموجودة في الناس، وأما من خلط القولين فجعل الذرية في الفلك في قوم نوح في سفينة وجعل مِنْ مِثْلِهِ في الإبل فإن هذا نظر فاسد يقطع به قوله تعالى: وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فتأمله، والْفُلْكِ جمع على وزنه هو الإفراد معناه الموفر، ومِنْ في قوله مِنْ مِثْلِهِ، يتجه على أحد التأويلين: أن تكون للتبعيض، وعلى التأويل الآخر أن تكون لبيان الجنس فانظره، ويقال الإبل مراكب البر، و «الصريخ» هنا بناء الفاعل بمعنى المصرخ، وذلك أنك تقول صارخ بمعنى مستغيث، ومصرخ بمعنى مغيث، ويجيء صَرِيخَ مرة بمعنى هذا ومرة بمعنى هذا لأن فعيلا من أبنية اسم الفاعل، فمرة يجيء من أصرخ ومرة يجيء من صرخ إذا استغاث، وقوله إِلَّا رَحْمَةً قال الكسائي نصب رَحْمَةً على الاستثناء كأنه قال إلا أن يرحمهم رحمة، وقال الزجاج: نصب رَحْمَةً على المفعول من أجله كأنه قال: إلا لأجل رحمتنا إياهم، ومَتاعاً عطف على رَحْمَةً، وقوله إِلى حِينٍ، يريد إلى آجالهم المضروبة لهم.
قال القاضي أبو محمد: والكلام تام في قوله وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ استئناف إخبار عن السائرين في البحر ناجين كانوا أو مغرقين فهم بهذه لا نجاة لهم إلا برحمة الله وليس قوله فَلا صَرِيخَ لَهُمْ مربوطا بالمغرقين، وقد يصح ربطه به والأول أحسن فتأمله، ثم ابتدأ الإخبار عن عتو قريش بقوله وَإِذا قِيلَ لَهُمْ الآية، وما بين أيديهم قال مقاتل وقتادة: هو عذاب الأمم الذي قد سبقهم في الزمن وما خلفهم هو عذاب الآخرة الذي يأتي من بعدهم في الزمن وهذا هو النظر، وقال الحسن: خوفوا بما مضى من ذنوبهم وبما يأتي منها.
قال القاضي أبو محمد: فجعل الترتيب كأنهم يسيرون من شيء إلى شيء، ولم يعتبر وجود الأشياء في الزمن، وهذا النظر يكسره عليه قوله تعالى: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ [المائدة: ٤٦] ، وإنما المطرد أن يقاس ما بين اليد والخلف بما يسوقه الزمن فتأمله، وجواب إِذا في هذه الآية محذوف تقديره أعرضوا يفسره قوله بعد ذلك إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ، و «الآيات» العلامات والدلائل.