القدح، فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده أي وضعه بقوة، والتل من الأرض مأخوذ من هذه كأنه تل في ذلك الموضع، ولِلْجَبِينِ معناه لتلك الجهة وعليها كما يقولون في المثل لليدين والفم وكما تقول سقط لشقه الأيسر، وقال ساعدة بن جوبة «وظل تليلا للجبين والجبينان ما اكتنف الجبهة من هنا وهنا» ، وروي في قصص هذه الآية أن الذبيح قال لأبيه اشدد رباطي بالحبل لئلا أضطرب واصرف بصرك عني، لئلا ترحمني ورد وجهي نحو الأرض، قال قتادة كبه لفيه وأخذ الشفرة، والتل للجبين ليس يقتضي أن الوجه نحو الأرض بل هي هيئة من ذبح للقبلة على جنبه، وقوله أَنْ يا إِبْراهِيمُ، أَنْ مفسرة لا موضع لها من الإعراب وقوله، قَدْ صَدَّقْتَ يحتمل أن يريد بقلبك على معنى كانت عندك رؤياك صادقة وحقا من الله فعملت بحسبها حين آمنت بها واعتقدت صدقها، ويحتمل أن يريد صدقت بعملك ما حصل عن الرؤيا في نفسك كأنه قال قد وفيتها حقها من العمل، والرُّؤْيا اسم لما يرى من قبل الله تعالى، والمنام والحلم اسم لما يرى من قبل الشيطان، ومنه الحديث الصحيح «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان» ، وقوله إِنَّا كَذلِكَ إشارة إلى ما عمل إبراهيم، كأنه يقول إنا بهذا النوع من الإخلاص والطاعة نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وقوله تعالى إِنَّ هذا لَهُوَ يشير إلى ما في القصة من امتحان واختبار وسير معتقد، فيكون الْبَلاءُ على هذا المعنى الاختبار بالشدة، ويحتمل أن يشير إلى ما في القصة من سرور بالفدية وإنقاذ من تلك الشدة في إنفاذ الذبح، فيكون الْبَلاءُ بمعنى النعمة.
قال القاضي أبو محمد: وإلى كل احتمال قد أشارت فرقة من المفسرين، وفي الحديث أن الله تعالى أوحى إلى إسحاق أني قد أعطيتك فيها ما سألت فسلني فقال يا رب أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئا فأدخله الجنة، والضمير في فَدَيْناهُ عائد على الذبح، و «الذبح» اسم لما يذبح ووصفه بالعظم لأنه متقبل يقينا قاله مجاهد، وقال عمر بن عبيد:«الذبح» الكبش و «العظيم» لجري السنة، وكونه دينا باقيا آخر الدهر، وقال الحسن بن الفضل: عظم لأنه كان من عند الله، وقال أبو بكر الوراق: لأنه لم يكن عن نسل بل عن التكوين، وروي عن ابن عباس وعن سعيد بن جبير: أن كونه عظيما هو أنه من كباش الجنة، رعى فيها أربعين خريفا، وقال ابن عباس: هو الكبش الذي قرب ولد آدم، وقال ابن عباس والحسن: كان وعلا اهبط عليه من ثبير، وقال الجمهور: إنه كبش أبيض أقرن أعين وجده وراءه مربوطا بسمرة.
قال القاضي أبو محمد: وروي أنه انفلت لإبراهيم فاتبعه ورماه بحصيات في مواضع الجمرات فبذلك مضت السنة، وقال ابن عباس رجم الشيطان عند جمرة العقبة وغيرها وقد قدم هذا.
قال القاضي أبو محمد: وأهل السنة على أن هذه القصة نسخ فيها العزم على الفعل، والمعتزلة التي تقول إنه لا يصح نسخ إلا بعد وقوع الفعل افترقت في هذه الآية على فرقتين، فقالت فرقة وقع الذبح والتأم بعد ذلك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كذب صراح، وقالت فرقة منهم: بل كان إبراهيم لم ير في منامه إلا أمارة الشفرة فقط، فظن أنه ذبح فجهز، فنفذ لذلك فلما وقع الذي رآه وقع النسخ.