أسقط العلامة التي في الفعل المسند إلى الكلمة لوجهين: أحدهما الحائل الذي بين الفعل والفاعل، ولو كان متصلا به لم يحسن ذلك، والثاني أن الكلمة غير مؤنث حقيقي، وهذا أخف وأجوز من قولهم: حضر القاضي يوما امرأة، لأن التأنيث هنا حقيقي. وقالت فرقة: في هذا الكلام محذوف أختصره لدلالة الظاهر عليه تقديرا: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ تتأسف أنت عليه أو نحو هذا من التقدير، ثم استأنف توقيف النبي صلى الله عليه وسلم على أنه يريد أن ينقذ من في النار، أي ليس هذا إليك. وقالت فرقة: الألف في قوله: أَفَأَنْتَ إنما هي مؤكدة زادها لطول، وإنما معنى الآية:
«أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟» لكنه زاد الألف الثانية توكيدا للأمر، وأظهر الضمير العائد تشهيرا لهؤلاء القوم وإظهارا لخسة منازلهم، وهذا كقول الشاعر [عدي بن زيد العبادي] : [الخفيف] لا أرى الموت يسبق الموت شيء فإنما أظهر الضمير تنبيها على عظم الموت، وهذا كثير، ثم استفتح إخبارا آخر ب لكِنِ وهذه معادلة وتخصيص على التقوى لمن فكر وازدجر.
وقوله تعالى: مِنْ تَحْتِهَا أي من تحت الغرف، وعادلت غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ ما تقدم من الظلل فوقهم وتحتهم. والغرف: ما كان من المساكن مرتفعا عن الأرض، في الحديث:«إن أهل الجنة ليتراءون الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الذي في الأفق» . و: وَعْدَ اللَّهِ نصب على المصدر، ونصبه إما بفعل مضمر من لفظه، وإما بما تضمن الكلام قبل من معنى الوعد على الاختلاف الذي للنحاة في ذلك. ثم وقف نبيه صلى الله عليه وسلم على معتبر من مخلوقاته، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل بشر داخل معه في معناه. وقال الطبري وغيره: أشار إلى ماء المطر، وقالوا: العيون منه، ودليل ذلك أنها تنماع عند وجوده وتيبس عند فقده. وقال الحسن بن مسلم بن يناق، والإشارة إلى العيون وليست العيون من المطر، ولكن ماؤها نازل من السماء. قال الشعبي: وكل ماء عذب في الأرض فمن السماء نزل.
قال القاضي أبو محمد: والقولان متقاربان: و: «سلكه» معناه: أجراه وأدخله، ومنه قول الشاعر [البسيط]
حتى سلكن الشوى منهن في مسك ... من نسل جوابة الآفاق مهداج