عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد
ماذا تريدون من قوم قرنهم الله بنبيه صلى الله عليه وسلم وخصهم بمشاهدته وتلقي الوحي منه؟ وقد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسره، فجعله الله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطاب رضي الله عنه جرد سيفه بمكة وقال: والله لا عبد الله سرا بعد اليوم.
وقرأت فرقة: «رجل» بسكون الجيم، كعضد وعضد، وسبع وسبع، وقراءة الجمهور بضم الجيم واختلف الناس في هذا الرجل، فقال السدي وغيره: كان من آل فرعون وأهله، وكان يكتم إيمانه، ف يَكْتُمُ على هذا في موضع الصفة دون تقديم وتأخير. وقال مقاتل: كان ابن عم فرعون. وقالت فرقة:
لم يكن من أهل فرعون. (وقالت فرقة: لم يكن من أهل فرعون) . بل من بني إسرائيل، وإنما المعنى:
وقال رجل يكتم إيمانه من آل فرعون، ففي الكلام تقديم وتأخير، والأول أصح، ولم يكن لأحد من بني إسرائيل أن يتكلم بمثل هذا عند فرعون، ويحتمل أن يكون من غير القبط، ويقال فيه من آل فرعون، إذ كان في الظاهر على دينه ومن أتباعه، وهذا كما قال أراكة الثقفي يرثي أخاه ويتعزى برسول الله صلى الله عليه وسلم: [الطويل]
فلا تبك ميتا بعد ميت أجنه ... علي وعباس وآل أبي بكر
يعني المسلمين إذ كانوا في طاعة أبي بكر الصديق.
وقوله: أَنْ يَقُولَ مفعول من أجله، أي لأجل أن يقول: وجلح معهم هذا المؤمن في هذه المقالات ثم غالطهم بعد في أن جعله في احتمال الصدق والكذب، وأراهم أنها نصيحة، وحذفت النون من: يَكُ تخفيفا على ما قال سيبويه وتشبيها بالنون في تفعلون وتفعلان على مذهب المبرد، وتشبيها بحرف العلة الياء والواو على مذهب أبي علي الفارسي وقال: كأن الجازم دخل على «يكن» وهي مجزومة بعد فأشبهت النون الياء من يقضي والواو من يدعو، لأن خفتها على اللسان سواء.
واختلف المتأولون في قوله: يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ فقال أبو عبيدة وغيره: بَعْضُ بمعنى كل، وأنشدوا قول القطامي عمرو بن شييم: [البسيط]
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقال الزجاج: هو إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر، وليس فيه نفي إضافة الكل. وقالت فرقة، أراد:
يصبكم بعض العذاب الذي يذكر، وذلك كاف في هلاككم، ويظهر إلي أن المعنى: يصبكم القسم الواحد مما يعد به، وذلك هو بعض ما يعد، لأنه عليه السلام وعدهم إن آمنوا بالنعيم وإن كفروا بالعذاب فإن كان صادقا فالعذاب بعض ما وعد به. وقالت فرقة: أراد ببعض ما يعدكم عذاب الدنيا، لأنه بعض عذاب الآخرة، أي وتصيرون بعد ذلك إلى الباقي وفي البعض كفاية في الإهلاك، ثم وعظهم هذا المؤمن بقوله:
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ قال السدي: معناه: مسرف بالقتل. وقال قتادة: مسرف بالكفر.