المعنى: فإن أعرضت قريش والعرب الذين دعوتهم إلى الله عن هذه الآيات البينة، فأعلمهم بأنك تحذرهم أن يصيبهم من العذاب الذي أصاب الأمم التي كذبت كما تكذب هي الآن.
وقرأ جمهور الناس:«صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود» وقرأ النخعي وأبو عبد الرحمن وابن محيصن «صعقة مثل صعقة» ، فأما هذه القراءة الأخيرة فبينة المعنى، لأن الصعقة: الهلاك يكون معها في الأحيان قطعة نار، فشبهت هنا وقعة العذاب بها، لأن عادا لم تعذب إلا بريح، وإنما هذا تشبيه واستعارة، وبالوقيعة فسر هنا «الصاعقة» ، قاله قتادة وغيره. وخص عادا وثمود بالذكر لوقوف قريش على بلادها في اليمن وفي الحجر في طريق الشام.
وقوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أي قد تقدموا في الزمن واتصلت نذارتهم إلى أعمار عاد وثمود، وبهذا الاتصال قامت الحجة.
وقوله: مِنْ خَلْفِهِمْ أي جاءهم رسول بعد اكتمال أعمارهم وبعد تقدم وجودهم في الزمن، فلذلك قال: وَمِنْ خَلْفِهِمْ وجاء من مجموع العبارة إقامة الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمّتهم خبرا ومباشرة، ولا يتوجه أن يجعل وَمِنْ خَلْفِهِمْ عبارة عما أتى بعدهم في الزمن، لأن ذلك لا يلحقهم منه تقصير، وأما الطبري فقال: الضمير في قوله: وَمِنْ خَلْفِهِمْ عائد على الرسل، والضمير في قوله:
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ على الأمم، وتابعه الثعلبي، وهذا غير قوي لأنه يفرق الضمائر ويشعب المعنى.
و (أن) في قوله: أَلَّا تَعْبُدُوا نصب على إسقاط الخافض، التقدير:«بأن» . وتَعْبُدُوا مجزوم على النهي، ويتوجه أن يكون منصوبا على أن تكون (لا) نافية، وفيه بعد. وكان من تلك الأمم إنكار بعثة البشر واستدعاء الملائكة، وهذه أيضا كانت من مقالات قريش.
وقوله: فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ ليس على جهة الإقرار بأنهم أرسلوا بشيء، وإنما معناه على زعمكم ودعواكم. ثم وصف حالة القوم، وأن عادا طلبوا التكبر ووضعوا أنفسهم فيه بغير حق، بل بالكفر والمعاصي وغوتهم قوتهم وعظم أبدانهم والنعم فقالوا على جهة التقرير: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً فعرض الله تعالى موضع النظر بقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا الآية، وهذا بين في العقل، فإن للشيء المخترع له المذهب متى شاء هو أقوى منه، وأخبر تعالى عنهم بجحودهم بآياته المنصوبة للنظر والمنزلة من عنده، إذ لفظ الآيات يعم ذلك كله في المعنى.