للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِمَّا شرط، وجواب الشرط قوله: فَاسْتَعِذْ. والنزغ: فعل الشيطان في قلب أو يد من إلقاء غضب وحقد أو بطش في اليد، فمن الغضب هذه الآية، ومن الحقد، قوله: نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف: ١٠٠] ، ومن البطش قول النبي عليه السلام: «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده فيلقيه في حفرة من حفر النار» .

وندب تعالى في هذه الآية المتقدمة إلى مكارم الخلق في الدفع بالتي هي أحسن، ثم أثنى على من لقيها ووعده، وعلم أن خلقة البشر تغلب أحيانا وتثور بهم سورة الغضب ونزغ الشيطان فدلهم على مذهب ذلك وهي الاستعاذة به عز وجل.

ثم عدد آياته لتعبر فيها من صدق عن التوحيد بذكر اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، وذكرهما يتضمن ما فيهما من القصر والطول والتداخل والاستواء في مواضع وسائر عبرهما، وكذلك الشمس والقمر متضمن عجائبهما وحكمة الله فيهما ونفعه عباده بهما. ثم قال تعالى: لا تَسْجُدُوا لهذه المخلوقات وإن كانت تنفعكم، لأن النفع منهما إنما هو بتسخير الله إياهما، فهو الذي ينبغي أن يسجد له. والضمير في: خَلَقَهُنَّ قالت فرقة: هو عائد على الأيام المتقدم ذكرها. وقالت فرقة: الضمير عائد على الشمس والقمر، والاثنان جمع، وجمع ما لا يعقل يؤنث، فلذلك قال: خَلَقَهُنَّ.

قال القاضي أبو محمد: ومن حيث يقال شموس وأقمار لاختلافهما بالأيام، ساغ أن يعود الضمير مجموعا.

وقالت فرقة: هو عائد على الأربعة المذكورة، وشأن ضمير ما لا يعقل إذا كان العدد أقل من العشرة أن يجيء هكذا، فإذا زاد أفرد مؤنثا، تقول الأجذاع انكسرن، والجذوع انكسرت، ومنه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ [التوبة: ٣٦] ، ومنه قول حسان بن ثابت:

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما وقال السموأل: [الطويل]

ولا عيب فينا غير أن سيوفنا ... بها من قراع الدارعين فلول

وهذا كثير مهيع وإن كان الأمر يوجد متداخلا بعضه على بعض، ثم خاطب تعالى بما يتضمن وعيدهم وحقارة أمرهم، وأن الله تعالى غير محتاج إلى عبادتهم بقوله: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>