للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومسمع، وهو قادر لو شاء على أن يختم على قلبك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراؤك، فمقصد اللفظ هذا المعنى وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصارا واقتصارا. وقال مجاهد في كتاب الثعلبي وغيره، المعنى:

فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ بالصبر لأذى الكفار ويربط عليه بالجلد، فهذا تأويل لا يتضمن الرد على مقالتهم.

وقوله تعالى: وَيَمْحُ فعل مستقبل خبر من الله أنه يمحو الباطل ولا بد إما في الدنيا وإما في الآخرة، وهذا بحسب نازلة. وكتبت يَمْحُ في المصحف بحاء مرسلة كما كتبوا: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ [الإسراء: ١١] إلى غير ذلك مما ذهبوا فيه إلى الحذف والاختصار.

وقوله: بِكَلِماتِهِ معناه: بما سبق في قديم علمه وإرادته من كون الأشياء بالكلمات المعاني القائمة التي لا تبديل لها.

وقوله تعالى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ خبر مضمنه وعيد. ثم ذكر النعمة في تفضله بقبول التوبة عن عباده، وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمنه وأعماله مقطوع به بهذه الآية، وأما ما سلف من أعماله فينقسم: فأما التوبة من الكفر فماحية كل ما تقدمها من مظالم العباد الفانية، وأما التوبة من المعاصي فلأهل السنة قولان، هل تذهب المعاصي السالفة للعبد بينه وبين خالقه؟ فقالت فرقة: هي مذهبة لها، وقالت فرقة: هي في مشيئة الله تعالى، وأجمعوا على أنها لا تذهب مظالم العباد.

وحقيقة التوبة: الإقلاع عن المعاصي والإقبال والرجوع إلى الطاعات، ويلزمها الندم على ما فات، والعزم على ملازمة الخيرات. وقال سري السقطي: والتوبة: العزم على ترك الذنوب، والإقبال بالقلب إلى علام الغيوب. وقال يحيى بن معاذ: التائب من كسر شبابه على رأسه وكسر الدنيا على رأس الشيطان ولزم الفطام حتى أتاه الحمام.

وقوله تعالى: عَنْ عِبادِهِ بمعنى: من عباده، وكأنه قال: التوبة الصادرة عن عباده.

وقرأ جمهور القراء والأعرج وأبو جعفر والجحدري وقتادة: «يفعلون» بالياء على الكناية عن غائب.

وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وابن مسعود وعلقمة: «تفعلون» بالتاء على المخاطبة، وفي الآية توعد.

وقوله تعالى: وَيَسْتَجِيبُ قال الزجاج وغيره معناه: يجيب، والعرب تقول: أجاب واستجاب بمعنى ومنه قول الشاعر [كعب بن سعد الغنوي] : [الطويل]

وداع دعا يا من يجيب الندا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

و: الَّذِينَ على هذا القول مفعول ب يَسْتَجِيبُ، وروي هذا المعنى عن معاذ بن جبل ونحوه عن ابن عباس، وقالت فرقة المعنى: ويستدعي الذين آمنوا الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحة.

ودل قوله: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على أن المعنى فيجيبهم، وحملت هذه الفرقة استجاب على المعهود من باب استفعل، أي طلب الشيء. و: الَّذِينَ على هذا القول فاعل ب يَسْتَجِيبُ. وقالت

<<  <  ج: ص:  >  >>