الآية الأولى آية اعتبار دال على القدرة والملك المحيط بالجميع، وأن مشيئته تبارك وتعالى نافذة في جميع خلقه وفي كل أمرهم، وهذا لا مدخل لصنم فيه، فإن الذي يخلق ما يشاء ويخترع، فإنما هو الله تبارك وتعالى، وهو الذي يقسم الخلق فيهب الإناث لمن يشاء، أي يجعل بنيه نساء، ويهب الذكور لمن يشاء على هذا الحد، أو ينوعهم مرة يهب ذكرا ويهب أنثى، وذلك معنى قوله تعالى: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ.
وقال محمد بن الحنفية: يريد بقوله تعالى: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ التوأم، أي يجعل في بطن زوجا من الذرية ذكرا وأنثى. والعقيم: الذي لا يولد له، وهذا كله مدبر بالعلم والقدرة، وهذه الآية تقضي بفساد وجود الخنثى المشكل. وبدئ في هذه الآية بذكر الإناث تأنيسا بهن وتشريفا لهن ليتهمم بصونهن والإحسان إليهن، وقال النبي عليه السلام:«من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له حجابا من النار» .
وقال واثلة بن الأسقع: من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، لأن الله تعالى بدأ بالإناث، حكاه الثعلبي. وقال إسحاق بن بشر: نزلت هذه الآية في الأنبياء ثم عمت، فلوط أبو البنات لم يولد له ذكر، وإبراهيم ضده، ومحمد عليه السلام ولد له الصنفان، ويحيى بن زكرياء عقيم.
وقوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ الآية نزلت بسبب خوض كان للكفار في معنى تكليم الله موسى ونحو ذلك، ذهبت قريش واليهود في ذلك إلى تجسيم ونحوه، فنزلت الآية مبينة صورة تكليم الله عباده كيف هو، فبين الله أنه لا يكون لأحد من الأنبياء ولا ينبغي له ولا يمكن فيه أن يكلمه الله إلا بأن يوحي إليه أحد وجوه الوحي من الإلهام. قال مجاهد، والنفث في القلب. وقال النقاش: أو وحي في منام؟ قال إبراهيم النخعي: كان من الأنبياء من يخط له في الأرض ونحو هذا، أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزا كموسى عليه السلام، وهذا معنى: مِنْ وَراءِ حِجابٍ أي من خفاء عن المتكلم لا يحده ولا يتصور بذهنه عليه، وليس كالحجاب في الشاهد، أو بأن يرسل إليه ملكا يشافهه بوحي الله تعالى. وقرأ جمهور القراء والناس:«أو يرسل» بالنصب «فيوحي» بالنصب أيضا. وقرأ نافع وابن عامر وأهل المدينة:«أو يرسل» بالرفع «فيوحي» بسكون الياء ورفع الفعل. فأما القراءة الأولى فقال سيبويه: سألت الخليل عنها فقال: هي محمولة على أَنْ غير التي في قوله: أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ لأن المعنى كان يفسد لو عطف على هذه، وإنما التقدير في قوله: وَحْياً إلا أن يوحي وحيا.
وقوله: مِنْ وَراءِ حِجابٍ، مِنْ متعلقة بفعل يدل ظاهر الكلام عليه، تقديره: أو يكلمه من وراء حجاب، ثم عطف:«أو يرسل» على هذا الفعل المقدر.
وأما القراءة الثانية فعلى أن «يرسل» في موضع الحال أو على القطع، كأنه قال: أو هو يرسل، وكذلك يكون قوله: إِلَّا وَحْياً مصدر في موضع الحال، كما تقول: أتيتك ركضا وعدوا، وكذلك قوله:
مِنْ وَراءِ حِجابٍ في موضع الحال كما هو قوله: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل