ثم عدد تعالى على الأبناء منن الأمهات وذكر الأم في هذه الآيات في أربع مراتب، والأب في واحدة، جمعهما الذكر في قوله: بِوالِدَيْهِ، ثم ذكر الحمل للأم ثم الوضع لها ثم الرضاع الذي عبر عنه بالفصال، فهذا يناسب ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل للأم ثلاثة أرباع البر، والربع للأب، وذلك إذ قال له رجل: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك، قال ثم من؟
قال: ثم أمك، قال ثم من؟ قال: أباك وقوله: كُرْهاً معناه في ثاني استمرار الحمل حين تتوقع حوادثه، ويحتمل أن يريد في وقت الحمل، إذ لا تدبير لها في حمله ولا تركه، وقال مجاهد والحسن وقتادة: المعنى حملته مشقة ووضعته مشقة.
وقرأ أكثر القراء: «كرها» بضم الكاف. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة والأعرج:
«كرها» بفتح الكاف، وقرأ بهما معا مجاهد وأبو رجاء وعيسى. قال أبو علي وغيره: هما بمعنى، الضم الاسم، والفتح المصدر. وقالت فرقة: الكره بالضم: المشقة، والكره بالفتح هو الغلبة والقهر، وضعفوا على هذا قراءة الفتح. قال بعضهم: لو كان «كرها» لرمت به عن نفسها، إذ الكره القهر والغلبة، والقول الذي قدمناه أصوب.
وقرأ جمهور الناس: «وفصاله» وذلك أنها مفاعلة من اثنين، كأنه فاصل أمه وفاصلته. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري: «وفصله» ، كأن الأم هي التي فصلته.
وقوله: ثَلاثُونَ شَهْراً يقتضي أن مدة الحمل والرضاع هذه المدة، لأن في القول حذف مضاف تقديره: ومدة حمله وفصاله، وهذا لا يكون إلا بأن يكون أحد الطرفين ناقصا، وذلك إما بأن تلد المرأة لستة أشهر وترضع عامين، وإما بأن تلد لتسعة على العرف وترضع عامين غير ربع العام، فإن زادت مدة الحمل نقصت مدة الرضاع، وبالعكس فيترتب من هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر. وأقل ما يرضع الطفل عام وتسعة أشهر، وإكمال العامين هو لمن أراد أن يتم الرضاعة، وهذا في أمر الحمل هو مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة ومذهب مالك رحمه الله.
واختلف الناس في الأشد: فقال الشعبي وزيد بن أسلم: البلوغ إذا كتبت عليه السيئات وله الحسنات. وقال ابن إسحاق: ثمانية عشر عاما، وقيل عشرون عاما، وقال ابن عباس وقتادة: ثلاثة وثلاثون عاما، وقال الجمهور من النظار: ثلاثة وثلاثون. وقال هلال بن يساف وغيره: أربعون، وأقوى الأقوال ستة وثلاثون، ومن قال بالأربعين قال في الآية إنه أكد وفسر الأشد بقوله: وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
قال القاضي أبو محمد: وإنما ذكر تعالى الأربعين، لأنها حد للإنسان في فلاحه ونجابته، وفي الحديث: «إن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب فيقول: بأبي وجه لا يفلح» وقال أيمن بن خريم الأسدي: [الطويل]
إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى ... وإن جر أسباب الحياة له العمر
وفي مصحف ابن مسعود: «حتى إذا استوى أشده وبلغ أربعين سنة» وقوله: أَوْزِعْنِي معناه: