وقوله تعالى: لَمْ تَعْلَمُوهُمْ صفة للمذكورين. وقوله: أَنْ تَطَؤُهُمْ يحتمل أن تكون أَنْ بدلا من رِجالٌ، كأنه قال: ولولا قوم مؤمنون أن تطؤوهم، أي لولا وطئكم قوما مؤمنين، فهو على هذا في موضع رفع، ويحتمل أن تكون في موضع نصب بدلا من الضمير في قوله: لَمْ تَعْلَمُوهُمْ كأنه قال:
لم تعلموا وطأهم أنه وطء المؤمنين، والوطء هنا: الإهلاك بالسيف وغيره على وجه التشبيه، ومنه قول الشاعر [زهير] : [الكامل]
ووطئتنا وطئا على حنق ... وطء المقيد ثابت الهرم
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشدد وطأتك على مضر» ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن آخر وطأة الرب يوم وج بالطائف» لأنها كانت آخر وقعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فيها ذكر هذا المعنى النقاش: و «المعرة» السوء والمكروه اللاصق، مأخوذ من العر والعرة وهي الجرب الصعب اللازم. واختلف الناس في تعيين هذه المعرة، فقال ابن زيد: هي المأثم وقال ابن إسحاق: هي الدية.
قال القاضي أبو محمد: وهذان ضعيفان، لأنه لا إثم ولا دية في قتل مؤمن مستور الإيمان من أهل الحرب.
وقال الطبري حكاه الثعلبي: هي الكفارة. وقال منذر: المعرة: أن يعيبهم الكفار ويقولوا قتلوا أهل دينهم. وقال بعض المفسرين: هي الملام والقول في ذلك، وتألم النفس منه في باقي الزمن.
قال القاضي أبو محمد: وهذه أقوال حسان. وجواب لَوْلا محذوف تقديره: لمكناكم من دخول مكة وأيدناكم عليهم.
وقرأ الأعمش: «فتنالكم منه معرة» .
واللام في قوله: لِيُدْخِلَ يحتمل أن يتعلق بمحذوف من القول، تقديره: لولا هؤلاء لدخلتم مكة، لكن شرفنا هؤلاء المؤمنين بأن رحمناهم ودفعنا بسببهم عن مكة لِيُدْخِلَ اللَّهُ: أي ليبين للناظر أن الله تعالى يدخل من يشاء في رحمته، أو ليقع دخولهم في رحمة الله ودفعه عنهم، ويحتمل أن تتعلق بالإيمان المتقدم الذكر، فكأنه قال: ولولا قوم مؤمنون آمنوا ليدخل الله من يشاء في رحمته، وهذا مذكور، لكنه ضعيف، لأن قوله: مَنْ يَشاءُ يضعف هذا التأويل.
ثم قال تعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا أي لو ذهبوا عن مكة، تقول: أزلت زيدا عن موضعه إزالة، أي أذهبته، وليس هذا الفعل من زال يزول، وقد قيل هو منه.
وقرأ أبو حيوة وقتادة: بألف بعد الزاي، أي «لو تزايلوا» ، أي ذهب هؤلاء عن هؤلاء وهؤلاء عن هؤلاء.
وقوله: مِنْهُمْ لبيان الجنس إذا كان الضمير في تَزَيَّلُوا للجميع من المؤمنين والكافرين وقال النحاس: وقد قيل إن قوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ الآية. يريد من في أصلاب الكافرين من سيؤمن في غابر الدهر، وحكاه الثعلبي والنقاش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم