حديث آخر من خير الناس؟ قال:«آمرهم بالمعروف. وأنهاهم عن المنكر. وأوصلهم للرحم وأتقاهم» .
وحكى الزهراوي أن سبب هذه الآية غضب الحارث بن هشام وعتاب بن أسيد حين أذن بلال يوم فتح مكة على الكعبة، وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن سببها قول ثابت بن قيس لرجل لم يفسح عند النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن فلانة، فوبخه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له:«إنك لا تفضل أحدا إلا في الدين والتقوى» ، فنزلت هذه الآية ونزل الأمر بالتفسح في ذلك أيضا، والشعوب: جمع شعب وهو أعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطا بنسب واحد، ويتلوه القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الأسرة والفصيلة: وهما قرابة الرجل الأدنون فمضر وربيعة وحمير شعوب، وقيس وتميم ومذحج ومراد، قبائل مشبهة بقبائل الرأس، «لأنها قطع تقابلت» وقريش ومحارب وسليم عمارات، وبنو قصي وبنو مخزوم بطون، وبنو هاشم وبنو أمية أفخاذ، وبنو عبد المطلب أسرة وفصيلة، وقال ابن جبير: الشعوب: الأفخاذ.
وروي عن ابن عباس الشعوب: البطون، وهذا غير ما تمالأ عليه اللغويون. قال الثعلبي، وقيل: الشعوب في العجم والقبائل في العرب، والأسباط في بني إسرائيل. وأما الشعب الذي هو في همدان الذي ينسب إليه الشعبي فهو بطن يقال له الشعب.
قال القاضي أبو محمد: وقيل للأمم التي ليست بعرب: شعوبية، نسبة إلى الشعوب، وذلك أن تفصيل أنسابها خفي فلم يعرف أحد منهم إلا بأن يقال: فارسي تركي رومي زناتي. فعرفوا بشعوبهم وهي أعم ما يعبر به عن جماعتهم، ويقال لهم الشعوبية بفتح الشين، وهذا من تغيير النسب، وقد قيل فيهم غير ما ذكرت، وهذا أولى عندي.
وقرأ الأعمش:«لتتعارفوا» وقرأ عبد الله بن عباس: «لتعرفوا أن» ، على وزن تفعلوا بكسر العين وفتح الألف من «أن» ، وبإعمال «لتعرفوا» فيها، ويحتمل على هذه القراءة أن تكون اللام في قوله:«لتعرفوا» لام كي، ويضطرب معنى الآية مع ذلك، ويحتمل أن تكون لام الأمر، وهو أجود في المعنى، ويحتمل أن يكون المفعول محذوفا تقديره: الحق، وإذا كانت لام كي فكأنه قال: يا أيها الناس أنتم سواء من حيث أنتم مخلوقون لأن تتعارفوا ولأن تعرفوا الحقائق، وأما الشرف والكرم فهو بتقوى الله تعالى وسلامة القلوب.
وقرأ ابن مسعود:«لتعارفوا بينكم وخيركم عند الله أتقاكم» . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من سره أن يكون أكرم الناس، فليتق الله» . ثم نبه تعالى على الحذر بقوله: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ أي بالمتقي الذي يستحق رتبة الكرم في الإيمان، أي لم تصدقوا بقلوبكم وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا. والإسلام يقال بمعنيين، أحدهما: الدين يعم الإيمان والأعمال، وهو الذي في قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] والذي في قوله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس» والذي في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين قال له: ما الإسلام؟ قال: بأن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، والذي في قوله لسعد بن أبي وقاص:«أو مسلما، إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه» الحديث، فهذا الإسلام ليس هو في قوله: وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا والمعنى الثاني للفظ الإسلام: هو الاستسلام والإظهار الذي يستعصم به ويحقن الدم، وهذا هو الإسلام في قوله: وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا، والْإِيمانُ الذي هو التصديق أخص من الأول وأعم بوجه، ثم صرح لهم بأن