للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء: ١٤] عدل والله عليه من جعله حسيب نفسه. والرقيب: المراقب. والعتيد: الحاضر وقوله: وَجاءَتْ عطف عندي على قوله: إِذْ يَتَلَقَّى فالتقدير: وإذ تجيء سكرة الموت، وجعل الماضي في موضع المستقبل تحقيقا وتثبيتا للأمر، وهذا أحث على الاستعداد واستشعار القرب، وهذه طريقة العرب في ذلك، ويبين هذا في قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ فإنها ضرورة بمعنى الاستقبال. وقرأ أبو عمرو: وَجاءَتْ سَكْرَةُ بإدغام التاء في السين. وسَكْرَةُ الْمَوْتِ: ما يعتري الإنسان عند نزاعه والناس فيها مختلفة أحوالهم، لكن لكل واحد سكرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزاعه يقول: «إن للموت لسكرات» .

وقوله: بِالْحَقِّ معناه: بلقاء الله وفقد الحياة الدنيا. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «وجاءت سكرة الحق بالموت» . وقرأها ابن جبير وطلحة، ويروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قالها كذلك لابنته عائشة وذلك أنها قعدت عند رأسه وهو ينازع فقالت: [الطويل]

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

ففتح أبو بكر رضي الله عنه عينه فقال: لا تقولي هكذا، وقولي: «وجاءت سكرة الحق بالموت» ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. وقد روي هذا الحديث على مشهور القراءة وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ فقال أبو الفتح: إن شئت علقت الباء ب جاءَتْ، كما تقول: جئت بزيد، وإن شئت كانت بتقدير: ومعها الموت.

واختلف المتأولون في معنى: «وجاءت سكرة الحق بالموت» فقال الطبري وحكاه الثعلبي: «الحق» الله تعالى، وفي إضافة السكرة إلى اسم الله تعالى بعد وإن كان ذلك سائغا من حيث هي خلق له، ولكن فصاحة القرآن ورصفه لا يأتي فيه هذا. وقال بعض المتأولين المعنى: وجاءت سكرة فراق الحياة بالموت وفراق الحياة حق يعرفه الإنسان ويحيد منه بأمله. ومعنى هذا الحيد: أنه يقول: أعيش كذا وكذا، فمتى فكر في قرب الموت حاد بذهنه وأمله إلى مسافة بعيدة من الزمن، وأيضا فحذر الموت وتحرزاته ونحو هذا حيد كله. وقد تقدم القول في النفخ في الصور مرارا. و: يَوْمُ الْوَعِيدِ هو يوم القيامة وأضافه إلى الوعيد تخويفا.

وقوله تعالى: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها وقرأ طلحة بن مصرف: «محّها» بالحاء المثقلة. والسائق:

الحاث على السير.

واختلف الناس في السائق والشهيد، فقال عثمان بن عفان ومجاهد وغيره: ملكان موكلان بكل إنسان أحدهما يسوقه والآخر من حفظته يشهد عليه. وقال أبو هريرة: السائق ملك، والشهيد: العمل وقال منذر بن سعيد: السائق: الملك والشهيد: النبي صلى الله عليه وسلم، قال وقيل: الشهيد: الكتاب الذي يلقاه منشورا. وقال بعض النظار: سائِقٌ، اسم جنس، وشَهِيدٌ كذلك، فالساقة للناس ملائكة يوكلون بذلك، والشهداء: الحفظة في الدنيا وكل ما يشهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>