وقوله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ. قال الضحاك وابن جبير: أراد المطر والثلج. وقال واصل الأحدب ومجاهد: أراد القضاء والقدر، أي الرزق عند الله يأتي به كيف يشاء، لا رب غيره. وقرأ ابن محيصن «وفي السماء رازقكم» .
و: تُوعَدُونَ يحتمل أن يكون من الوعد، ويحتمل أن يكون من الوعيد، والكل في السماء. قال الضحاك المراد: من الجنة والنار. وقال مجاهد المراد: الخير والشر. وقال ابن سيرين المراد: الساعة.
ثم أقسم تعالى بنفسه على صحة هذا القول والخبر وشبهه في اليقين به بالنطق من الإنسان، وهو عنده في غاية الوضوح، ولا يمكن أن يقع فيه من اللبس ما يقع في الرؤية والسمع، بل النطق أشد تخلصا من هذه واختلف القراء في قوله: مِثْلَ ما، فقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر «مثل» بالرفع، ورويت عن الحسن وابن أبي إسحاق والأعمش بخلاف عنهم. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر وأهل المدينة وجل الناس:«مثل» بالنصب، فوجه الأولى الرفع على النعت، وجاز نعت النكرة بهذا الذي قد أضيف إلى المعرفة من حيث كان لفظ مثل شائعا عاما لوجوه كثيرة، فهو لا تعرفه الإضافة إلى معرفة، لأنك إذا قلت: رأيت مثل زيد فلم تعرف شيئا، لأن وجوه المماثلة كثيرة، فلما بقي الشياع جرى عليه حكم النكرة فنعتت به النكرة. وما زائدة تعطي تأكيدا، وإضافة «مثل» هي إلى قوله:
أَنَّكُمْ. ووجه قراءة النصب أحد ثلاثة وجوه: إما أن يكون مثل قد بني لما أضيف إلى غير متمكن وهو في موضع رفع على الصفة لَحَقٌّ ولحقه البناء، لأن المضاف إليه قد يكسب المضاف بعض صفته كالتأنيث في قوله: شرقت صدر القناة. ونحوه، وكالتعريف في غلام زيد إلى غير ذلك، ويجري «مثل» حينئذ مجرى عَذابِ يَوْمِئِذٍ [المعارج: ١١] على قراءة من فتح الميم، ومنه قول الشاعر [النابغة الذبياني] : [الطويل] على حين عاتبت المشيب على الصبا ومنه قول الآخر: [البسيط] لم يمنع الشرب منها غير أن هتفت ف «غير» فاعلة ولكنه فتحها. والوجه الثاني وهو قول المازني إن «مثل» بني لكونه مع ما شيئا واحدا، وتجيء على هذا في مضمار ويحما وأينما، ومنه قول حميد بن ثور:[الطويل]
ألا هيما مما لقيت وهيما ... وويها لمن لم يدر ما هن ويحما
فلولا البناء وجب أن يكون منونا، وكذلك قول الشاعر [حسان بن ثابت] : [الطويل] فأكرم بنا أما وأكرم بنا ابن ما والوجه الثالث: أن تنصب «مثل» على الحال من قوله: لَحَقٌّ وهي حال من نكرة وفيه خلاف لكن جوز ذلك الجرمي، وأما غيره فيراه حالا من الذكر المرفوع في قوله لَحَقٌّ لأن التقدير لَحَقٌّ هو، وفي هذا نظر. والنطق في هذه الآية: الكلام بالحروف والأصوات في ترتيب المعاني. وروي أن بعض الأعراب الفصحاء سمع هذه الآية فقال: من أحوج الكريم إلى أن يحلف؟ والحكاية وقعت في كتاب الثعلبي وسبل