هذه النَّاقَةِ التي اقترحوها أن تخرج لهم من صخرة صماء من الجبل، وقد تقدم قصصها، فأخبر الله تعالى صالحا على جهة التأنيس أنه يخرج لهم الناقة ابتلاء واختبارا، ثم أمره بارتقاب الفرج وبالصبر.
وَاصْطَبِرْ أصله: اصتبر. افتعل، أبدلت التاء طاء لتناسب الصاد. ثم أمره بأن يخبر ثمود أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ: والْماءَ: هو ماء البئر التي كانت لهم، واختلف المتأولون في معنى هذه القسمة، فقال جمهور منهم قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ: يتواسونه في اليوم الذي لا ترده الناقة وذلك فيما روي أن الناقة كانت ترد البئر غبا، وتحتاج جميع مائه يومها، فنهاهم الله عن أن يستأثر أهل اليوم الذي لا ترد الناقة فيه بيومهم، وأمرهم بالتواسي مع الذين ترد الناقة في يومهم. وقال آخرون معناه: الماء بين جميعهم وبين الناقة قسمة.
و: مُحْتَضَرٌ معناه: محضور مشهود متواسى فيه، وقال مجاهد المعنى: كُلُّ شِرْبٍ أي من الماء يوما ومن لبن الناقة يوما مُحْتَضَرٌ لهم، فكأنه أنبأهم الله عليهم في ذلك. و: صاحِبَهُمْ هو قدار بن سالف، وبسببه سمي الجزار القدار لشبه في الفعل، قال الشاعر [عدي بن ربيعة] : [الكامل]
وقد تقدم شرح أمر قدار بن سالف. و:«تعاطى» مطاوع عاطى، فكأن هذه الفعلة تدافعها الناس وأعطاها بعضهم بعضا، فتعاطاها هو وتناول العقر بيده، قاله ابن عباس، ويقال للرجل الذي يدخل نفسه في تحمل الأمور الثقال متعاط على الوجه الذي ذكرناه، والأصل عطا يعطو، إذا تناول، ثم يقال: عاطى، وهو كما تقول: جرى وجارى وتجارى وهذا كثير، ويروى أنه كان مع شرب وهم التسعة الرهط، فاحتاجوا ماء فلم يجدوه بسبب ورد الناقة، فحمله أصحابه على عقرها. ويروى أن ملأ القبيل اجتمع على أن يعقرها، ورويت أسباب غير هذين، وقد تقدم ذلك.
والصيحة: يروى أن جبريل عليه السلام صاحها في طرف من منازلهم فتفتتوا وهمدوا فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ. والهشيم: ما تفتت وتهشم من الأشياء.
وقرأ جمهور الناس:«كهشيم المحتظر» بكسر الظاء، ومعناه: الذي يصنع حظيرة من الرعاء ونحوهم قاله أبو إسحاق السبيعي والضحاك وابن زيد، وهي مأخوذة من الحظر وهو المنع، والعرب وأهل البوادي يصنعونها للمواشي وللسكنى أيضا من الأغصان والشجر المورق والقصب ونحوه، وهذا كله هشيم يتفتت إما في أول الصنعة، وإما عند بلى الحظيرة وتساقط أجزائها. وحكى الطبري عن ابن عباس وقتادة أن «المحتظر» معناه: المحترق. قال قتادة: كهشيم محرق. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو رجاء:«المحتظر» بفتح الظاء، ومعناه: الموضع الذي احتظر، فهو مفعل من الحظر، أو الشيء الذي احتظر به. وقد روي عن سعيد بن جبير أنه فسر: كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ بأن قال: هو التراب الذي سقط من الحائط البالي، وهذا متوجه، لأن الحائط حظيرة، والساقط هشيم. وقال أيضا هو وغيره: الْمُحْتَظِرِ، معناه: المحرق بالنار،