وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا نهي عن التعمد الذي هو طغيان بالميزان. وأما ما لا يقدر البشر عليه من التحرير بالميزان فذلك موضوع عن الناس. «وأن لا» هو بتقدير لئلا، أو مفعول من أجله. و: تَطْغَوْا نصب، ويحتمل أن تكون «أن» مفسرة، فيكون تَطْغَوْا جزما بالنهي، وفي مصحف ابن مسعود: «لا تطغوا في الميزان» بغير أن.
وقرأ جمهور الناس: «ولا تخسروا» من أخسر، أي نقص وأفسد، وقال بلال بن أبي بردة «تخسروا» بفتح التاء وكسر السين من خسر، ويقال خسر وأخسر بمعنى: نقص وأفسد، كجبر وأجبر. وقرأ بلال أيضا فيما حكى ابن جني: «تخسروا» ، بفتح التاء والسين من خسر: بكسر السين.
واختلف الناس في: «الأنام» فقال ابن عباس فيما روي عنه هم بنو آدم فقط. وقال الحسن بن أبي الحسن: هم الثقلان: الجن والإنس. وقال ابن عباس أيضا وقتادة وابن زيد والشعبي: هم الحيوان كله.
والْأَكْمامِ في النَّخْلُ موجودة في الموضعين، فجملة فروع النخلة في أكمام من ليفها، وطلع النخل في كم من جفه. وقال قتادة: أكمام النخيل رقابها. والكم من النبات: كل ما التف شيء وستره، ومنه كمائم الزهر وبه شبه كم الثوب. وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ هو البر والشعير وما جرى مجراه من الحب الذي له سنبل وأوراق متشعبة على ساقه وهي العصيفة إذا يبست، ومنه قول علقمة بن عبدة: [البسيط]
تسقى مذانب قد مالت عصيفتها ... حدورها من أتيّ الماء مطموم
قال ابن عباس الْعَصْفِ التبن، وتقول العرب: خرجنا نتعصف، أي يستعجلون عصيفة الزرع.
وقرأ ابن عامر وأبو البرهسم: «والحبّ» بالنصب عطفا على الْأَرْضَ «ذا العصف والريحان» إلا أن البرهسم خفض النون.
واختلفوا في الرَّيْحانُ، فقال ابن عباس ومجاهد والضحاك معناه: الرزق، ومنه قول الشاعر وهو النمر بن تولب: [المتقارب]
سلام الإله وريحانه ... وجنته وسماء درر
وقال الحسن: هو ريحانكم هذا. وقال ابن جبير: هو كل ما قام على ساق، وقال ابن زيد وقتادة:
الرَّيْحانُ هو كل مشموم طيب الريح من النبات. وفي هذا النوع نعمة عظيمة. ففيه الأزهار والمندل والعقاقير وغير ذلك. وقال الفراء: الْعَصْفِ فيما يؤكل، والرَّيْحانُ كل ما لا يؤكل.
وقرأ جمهور الناس: «والحبّ» بالرفع «ذو العصف والريحان» وهذه قراءة في المعنى كالأولى في الإعراب حسنة الاتساق عطفا على فاكِهَةٌ. وقرأ حمزة والكسائي وابن محيصن: «والحبّ» بالرفع «ذو العصف والريحان» بخفض «الريحان» عطفا على الْعَصْفِ، كأن الحب هما له على أن الْعَصْفِ منه الورق. وكل ما يعصف باليد وبالريح فهو رزق البهائم، وَالرَّيْحانُ منه الحب فهو رزق الناس، «والريحان» على هذه القراءة: الرزق: لا يدخل فيه المشموم بتكلف.
وَالرَّيْحانُ هو من ذوات الواو. قال أبو علي: إما أن يكون ريحان اسما ووضع موضع المصدر،