للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم مس المصحف لسائر بني آدم، ومن قال بأنها مصاحف المسلمين، قال إن قوله: لا يَمَسُّهُ إخبار مضمنه النهي، وضمة السين على هذا ضمة إعراب، وقال بعض هذه الفرقة: بل الكلام نهي، وضمة السين ضمة بناء، قال جميعهم: فلا يمس المصحف من جميع بني آدم إلا الطاهر من الكفر والجنابة والحدث الأصغر. قال مالك: لا يحمله غير طاهر بعلاقته ولا على وسادة. وفي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «ولا يمس المصحف إلا الطاهر» ، وقد رخص أبو حنيفة وقوم بأن يمسه الجنب والحائض على حائل غلاف ونحوه، ورخص بعض العلماء في مسه بالحدث الأصغر، وفي قراءته عن ظهر قلب، منهم ابن عباس وعامر الشعبي، ولا سيما للمعلم والصبيان، وقد رخص بعضهم للجنب في قراءته، وهذا الترخيص كله مبني على القول الذي ذكرناه من أن المطهرين هم الملائكة أو على مراعاة لفظ اللمس فقد قال سليمان: لا أمس المصحف ولكن أقرأ القرآن.

وقرأ جمهور الناس: «المطهّرون» بفتح الطاء والهاء المشددة. وقرأ نافع وأبو عمرو بخلاف عنهما «المطهرون» بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة، وهي قراءة عيسى الثقفي. وقرأ سلمان الفارسي:

«المطهّرون» بفتح الطاء خفيفة وكسر الهاء وشدها على معنى الذين يطهرون أنفسهم، ورويت عنه بشد الطاء والهاء. وقرأ الحسن وعبد الله بن عون وسلمان الفارسي بخلاف عنه: المطّهرون بشد الطاء بمعنى المتطهرون.

قال القاضي أبو محمد: والقول بأن لا يَمَسُّهُ نهي قول فيه ضعف وذلك أنه إذا كان خبرا فهو في موضع الصفة، وقوله بعد ذلك: تَنْزِيلٌ: صفة أيضا، فإذا جعلناه نهيا جاء معنى أجنبيا معترضا بين الصفات، وذلك لا يحسن في رصف الكلام فتدبره. وفي حرف ابن مسعود: «ما يمسه» وهذا يقوي ما رجحته من الخبر الذي معناه: حقه وقدره أن لا يمسه إلا طاهر.

وقوله عز وجل: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ مخاطبة للكفار، والْحَدِيثِ المشار إليه هو القرآن المتضمن البعث، وإن الله تعالى خالق الكل وإن ابن آدم مصرف بقدره وقضائه وغير ذلك و: مُدْهِنُونَ معناه: يلاين بعضكم بعضا ويتبعه في الكفر، مأخوذ من الدهن للينه وإملاسه. وقال أبو قيس بن الأسلت: الحزم والقوة خير من الإدهان والفهة والهاع وقال ابن عباس: هو المهاودة فيما لا يحل.

والمداراة هي المهاودة فيما يحل، وقال ابن عباس: مُدْهِنُونَ مكذبون.

وقوله عز وجل: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله للعباد هذا بنوء كذا وكذا وهذا ب «عثانين» الأسد، وهذا بنوء الجوزاء وغير ذلك. والمعنى:

وتجعلون شكر رزقكم، كما تقول لرجل: جعلت يا فلان إحساني إليك أن تشتمني المعنى: جعلت شكر إحساني. وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان؟ بمعنى ما شكره. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرؤها: «وتجعلون شكركم إنكم تكذبون» ، وكذلك قرأ ابن عباس، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن ابن عباس ضم التاء وفتح الكاف، وعلي رضي الله عنه: فتح التاء وسكن الكاف وخفف الذال، ومن هذا المعنى قول الشاعر: [السريع]

<<  <  ج: ص:  >  >>