استعارة، لأنها من حيث تضمنهم وتباشرهم هي تواليهم وتكون لهم مكان المولى، وهذا نحو قول الشاعر [عمرو بن معد يكرب] : [الوافر] تحية بينهم ضرب وجميع وقوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ الآية ابتداء معنى مستأنف، وروي أنه كثر المزاح والضحك في بعض تلك المدة في قوم من شبان المسلمين فنزلت هذه الآية. وقال ابن مسعود: مل الصحابة ملة فنزلت الآية.
ومعنى: أَلَمْ يَأْنِ ألم يحن، ويقال: أنى الشيء يأني، إذا حان ومنه قول الشاعر: [الوافر]
تمخضت المنون له بيوم ... أنى ولكل حاملة تمام
وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «ألما يأن» . وروي عنه أنه قرأ «ألم يين» .
وهذه الآية على معنى الحض والتقريع، قال ابن عباس: عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، وسمع الفضل بن موسى قارئا يقرأ هذه الآية، والفضل يحاول معصية، فكانت الآية سبب توبته. وحكى الثعلبي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه، فإذا به قد نطق بهذه الآية، فتاب ابن المبارك وكسر العود وجاء التوفيق. والخشوع: الإخبات والتطامن، وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب، فلذلك خص تعالى القلب بالذكر. وروى شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول ما يرفع من الناس الخشوع» .
وقوله تعالى: لِذِكْرِ اللَّهِ أي لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم، ويحتمل أن يكون المعنى:
لأجل تذكير الله إياهم وأوامره فيهم.
وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع: «وما نزل» مخفف الزاي. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم:
«نزّل» بشد الزاي على معنى: نزّل الله من الحق. وقرأ أبو عمرو في رواية عباس وهي قراءة الجحدري وابن القعقاع: «نزّل» بكسر الزاي وشدها. وقرأ نافع وأبو عمرو والأعرج وأبو جعفر: «ولا يكونوا» بالياء على ذكر الغيب. وقرأ حمزة فيما روى عنه سليم: «ولا تكونوا» بالتاء على مخاطبة الحضور.
والإشارة في قوله: أُوتُوا الْكِتابَ إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه السلام، وذلك قال:
مِنْ قَبْلُ وإنما شبه أهل عصر نبي بأهل عصر نبي. و: الْأَمَدُ قيل معناه: أمد انتظار الفتح، وقيل أمد انتظار القيامة وقيل أمد الحياة. و: (قست) معناه: صلبت وقل خيرها وانفعالها للطاعات وسكنت إلى معاصي الله، ففعلوا من العصيان والمخالفة ما هو مأثور عنهم.
وقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع، وهذا ضرب مثل واستدعاء إلى الخير، رقيق وتقريب بليغ، أي لا يبعد عنكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم إليه وتلبسكم به، «فإن الله يحيي الأرض بعد موتها» ، فكذلك يفعل بالقلوب، يردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه، وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة والتكسب من العبد بعد نفورها منه كما تحيى الأرض بعد أن كانت ميتة غبراء. وباقي الآية بين جدا.